عندما يكون السوق هو المحدد الرئيس لنوعية التعليم وجودته، وعندما تغيب الرقابة العامة الفاعلة، فليس هنالك ما يمنع أبداً من أن تتحول الجامعات، لا سيما الخاصة التي تهدف إلى الربح، إلى "سوق شعبي" يقدم بضاعة رديئة أو منعدمة الجودة، أي تعليم سيئ وشهادات ورقية.

Ad

عندما يكون التعليم خاضعاً بالدرجة الأولى لآليات السوق وظروفه فإنه يتحول إلى سلعة تُباع وتُشترى بهدف تعظيم الربح المادي الذي تحدده ظروف السوق المتغيرة باستمرار، وهذا يتناقض مع هدف التعليم الحقيقي وهو تلبية حاجة الإنسان إلى المعرفة والثقافة ورفع الوعي العام واكتساب مهارات جديدة، وذلك بجانب الدور الذي تؤديه سياسة التعليم النوعي في تحقيق أهداف التنمية الإنسانية المستدامة، إذ تتولى أجهزة متخصصة ومستقلة متابعة مدى تحقيقها بكفاءة عالية وجودة مميزة، وذلك عن طريق مراقبة المؤسسات التعليمية سواء العامة أو الخاصة التي تقوم بتنفيذها.

وعندما يكون السوق هو المحدد الرئيس لنوعية التعليم وجودته، وعندما تغيب الرقابة العامة الفاعلة، فليس هنالك ما يمنع أبداً من أن تتحول الجامعات، لا سيما الخاصة التي تهدف إلى الربح، إلى "سوق شعبي" يقدم بضاعة رديئة أو منعدمة الجودة، أي تعليم سيئ وشهادات ورقية، فالجامعة الخاصة ليست بالضروة أن تكون ملتزمة بمعايير الجودة العالمية الخاصة بالتعليم العالي بالذات سياسة القبول، ومؤهلات الهيئة الأكاديمية، ونوعية البرامج الأكاديمية والعملية التي تقدمها الجامعة، فضلا عن الخدمات الأكاديمية المساندة مثل المختبرات العلمية، والمكتبات، ومختبرات الحاسب الآلي، والغرف الذكية.

وبما أن الحكومة قد سمحت منذ فترة طويلة نسبياً بإنشاء الجامعات الخاصة التي من المؤكد أنها تحقق أرباحاً مادية، وهو الأمر الذي توضحه نوعية الدعاية التجارية لبعض الجامعات الخاصة التي تضاهي دعاية أكبر شركات تجارة التجزئة وأحياناً تتفوق عليها! فلمَ لا تحقق الأرباح وهي تحصل على دعم حكومي سخي، إذ تُمنح لها أراضي الدولة وأملاكها بإيجارات رمزية عن طريق ما يُسمى "بي أو تي"، وتوفر لها الحكومة الأعداد الكافية من الطلبة سنوياً عن طريق ما يُسمى "الابتعاث الداخلي"؟

هذا بالنسبة إلى نظام السوق والعوامل المؤثرة فيه، أي الجانب المادي الذي، كما ذكرنا آنفاً، قد يُحوّل الجامعة الخاصة، وبالذات في حال غياب أجهزة فنيّة متخصصة ومحايدة تتولى عملية ضبط الجودة الأكاديمية، إلى "سوق شعبي" يقدم بضاعة رديئة الجودة، وهو ما ينبغي الحيلولة دون حصوله، فمن يُراقب جودة التعليم في الجامعات الخاصة المحلية التي يفترض أن تتماشى برامجها الأكاديمية مع المعايير الدولية، خصوصاً أن مجلس الجامعات الخاصة جهاز إداري لا فني وأكاديمي؟ وما الجهة المستقلة التي بإمكانها تحديد مدى تحقيق الجامعات الخاصة الأهداف التنموية كي يمكن تبرير استمرار الحكومة في دعمها مالياً؟ وأين تقارير ضبط الجودة الأكاديمية التي يفترض أن تُنشر دورياً كي يطلع عليها الجميع لا سيما أن الجامعات الخاصة تُكلّف الميزانية العامة للدولة التي تردد الحكومة، منذ فترة، أنها تُعاني عجزاً فعلياً يتطلب ترشيد الإنفاق العام؟!