توقفت طويلاً عند رسالة وصلت إليّ عن طريق الهاتف منذ مدة ليست بالقليلة بعنوان «أفكار لأجل التعايش الإيجابي»، هذه الرسالة عبارة عن دليل لتأهيل الفرد تأهيلا صحيا من أجل العيش بسلام مع الآخر ومع ذاته، ومحاولة لتذكير الفرد أن الآخر أي آخر ليس نسخة عنه، وباعتقادي إن هذه إحدى أعظم أزماتنا الاجتماعية التي تشجّر منها معظم تشوهاتنا الإنسانية، وقلبت هرم المنطق رأساً على عقب، فلم يعد تمرد الفرد على المجتمع هو ما تخشاه مجتمعاتنا وتحاول بشتى الطرق التقليل من آثاره السلبية حتى لا تنتقل عدواه إلى أفراد آخرين، وتنكسر بالتالي سلطة المجتمع وتمرّغ هيبته في الرمل، إذ أصبح التمرد الفردي على المجتمع والتغريد خارج سربه نعمة تُرجى وأملا منشودا، مقارنة بما آلت إليه الحال، ففي السنوات الأخيرة أصبح الفرد يحاول أن يكيّف المجتمع كله ليتماشى مع فكره هو، وبعضنا لا يمانع في أن يتبع أيّ طريق لتحقيق ذلك، ولو كان طريق الشيطان في سبيل إعادة سائر المجتمع إلى سبيل رشده هو وما يعتقد هو أنه الصحيح.
تمرد الفرد على المجتمع والخروج من عباءة حكمه وسلطته ضرره محدود، فإنه إن أخطأ الفرد المتمرد فإن الأذى - إن كان هناك ثمة أذى- لا يصيب سوى من رفع راية التمرد، لأن غاية التمرد هي التفرد لا التماثل، أما من يُنصّب نفسه حاديا للمجتمع كله نحو الهدى والصراط المستقيم فهو يهدف إلى أن يرتدي المجتمع كله زياً فكرياً موحداً (يونيفورم) يماثل فكره، والخطورة هنا تكمن في أن هذا «الحادي» إن أخطأ - وغالبا هو كذلك - فإن خطأه يجر المجتمع بكامله نحو الهاوية والهلاك، فمن غير المنطقي أن يرى كل فرد في نفسه النموذج الأمثل لما يجب أن يكون عليه كل أفراد المجتمع، وأنه الصواب الوحيد مقابل كل الخطأ في الجهة الأخرى، وأن كل من خالفه وجب اقتلاعه من الأرض ورميه في مهاوي الردى أو جحيم الإقصاء.أعود للرسالة التي وصلتني عبر الهاتف والتي تحتوي على خمسين «مبدأ» تضمن ائتلاف الفرد مع اختلاف الآخر لتحقيق التعايش الإيجابي بينهما، أول مبدأ يقول: «أنا لست أنت»، ووعي الفرد لهذه الحقيقة وإيمانه بها يكفي لأن يجعله يفتش عمّا هو مشترك بينه وبين الآخر ليتمكن من العيش الإيجابي معه، بدل المحاولة العبثية بأن يستنسخ ذاته فيه.المبدأ الثاني يقول: «ليس شرطا أن تقتنع بما أقتنع به»، وفي هذا المبدأ تأكيد على أن الإقناع هو الوسيلة الوحيدة ولا شيء سواها لتلاقي الأفكار بين الأفراد والعمل بها، والإقناع لا يتأتى إلا بالحوار الذي يهدف إلى الوصول لقناعة مشتركة، ولكي تحدث هذه القناعة المشتركة فإن أحد المبادئ الخمسين يقول: «ساعدني على توضيح رأيي»!خمسون مبدأ تذكرها الرسالة لتمكيننا من التعايش الإيجابي كأفراد في مجتمعاتنا بعد أن أصبح كل فرد يرى أن الآخر خطأ يجب عليه تصحيحه!
توابل
خطأ يجب تصحيحه!
14-04-2016