العدالة الخليجية... «كولا» وبنزين!

نشر في 17-01-2016
آخر تحديث 17-01-2016 | 00:01
 عبدالمحسن جمعة تقدر تقارير مصرفية دولية، مثل بنك "كريدت سويس"، ومصرف "بي إن بي باريبا"، حجم ثروة الأفراد في دول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من 1.5 تريليون دولار، بما يزيد على ثلاثة في المئة من ثروات الأفراد في كل دول العالم، وتحظى هذه الثروات بشبه إعفاء ضريبي شامل في دولها الخليجية، وهي تتركز في شركات عائلية، وحيازات عقارية وأسهم، وبعضها يشارك في المضاربات في أسواق العقارات، والأسهم التي تشهد هزات عنيفة وعدم استقرار لمدد زمنية طويلة في دول مجلس التعاون.

وفي ما عدا مملكة البحرين، وسلطنة عمان، فإن معظم العمالة التي يستخدمها أصحاب الثروات الخليجيون، من العمالة الأجنبية، التي تحول سنوياً من دول مجلس التعاون الخليجي 48 مليار دولار إلى الخارج، بينما تقدر قيمة الخدمات التي تقدمها الدول الخليجية من رعاية صحية، وخدمات بلدية، ومرافق، ودعوم مختلفة بأكثر من 30 مليار دولار لتلك العمالة، التي تدير القطاع الخاص الخليجي المعتمد كلياً على الإنفاق الحكومي، ومدخول الثروة الوطنية النفطية.

تلك الثروات الخاصة المتوقع أن تصل إلى عتبة الـ7 تريليونات دولار بنهاية العقد الحالي، بحسب توقعات تقرير لـ"مجموعة بوسطن الاستشارية"، لا تخطر ببال مخططي الاقتصاد والمالية الحكوميين الخليجيين عند تداول حلول معالجة الاختلالات الاقتصادية، والعجز الناتج عن انخفاض أسعار النفط، بالتفكير في تشريعات تتعلق بالضرائب على الثروات الضخمة، أو الدخول العالية، بل انها غائبة تماماً عن مخيلة صاحب القرار الخليجي لسبب غير معلوم!

نعم أن المالية الخليجية تحتاج إلى إصلاح وإعادة تسعير لبعض الخدمات، وتحمل شعوب الخليج مسؤولياتهم تجاه أوطانهم، ولكن هل يجوز أن نفكر في فرض ضريبة على المياه الغازية، والسجائر ورفع أسعار الوقود والكهرباء ضمن شرائح لا تحقق العدالة؟ فربما محدود دخل لديه عائلة كبيرة يستخدم الكهرباء في ظروف المنطقة الخليجية المناخية الصعبة، أكثر من ملياردير خليجي لديه عائلة محدودة العدد، لذا فإن عنوان العدالة عالمياً يرتكز على تقسيم الأعباء، وفقاً لما يجنيه الفرد من ثروة وطنه، فلا يمكن أن تتساوى أرملة أو معاق يحصل كل منهما على مساعدات اجتماعية، أو متقاعد محدود الدخل في تسديد التزاماتهم لدعم الدولة مع من يحقق الملايين من ثروة وطنه ويكنزها في الداخل والخارج، بأن يدفعوا ضريبة مماثلة على السلع، وأسعار البنزين، والكهرباء، أو تتساوى مسؤولية أصحاب الدخول العليا مع ضريبة يدفعها طفل خليجي عند تناوله قارورة مياه غازية!

أنا لا أعلم سبب تجاهل وزراء المالية الخليجيين للثروات الخاصة البالغة 1.5 تريليون دولار عند تناولهم سبل معالجة عجز الموازنات في دولهم وتحقيق الإصلاحات الاقتصادية، واقتصار بحثهم على ضرائب المبيعات، وزيادة أسعار البنزين العادي والممتاز، دون التطرق إلى بحث ضريبة الدخل على شرائح الدخول العالية، وأرباح المناقصات الضخمة، وعمولات الوكالات التجارية، خصوصاً أن ظروفها مختلفة عن بقية دول العالم، ففي الولايات المتحدة الأميركية، واليابان، ودول أخرى تعطى إعفاءات ضريبية لبعض أصحاب الدخول العليا لتشجيعها على مزيد من الاستثمار، بغرض توظيف المزيد من العمالة الوطنية بعكس الأثرياء الخليجيين الذين لا يقومون بأدوار مشابهة، لذا فإن هذه القرارات المجتزأة، والتي لا تأتي ضمن حزمة إصلاح اقتصادي متكاملة تحقق العدالة الاجتماعية، ربما يكون لها كلفة عالية في المستقبل على أمن واستقرار المجتمع الخليجي وتماسكه.

***

الولايات المتحدة الأميركية تلاحق كل من يحمل الجنسية الأميركية عبر قانون "الفاتكا"، لتقديم إقرار ضريبي وسداد ضريبة الدخل، حتى لو لم يعش يوماً في أميركا، ولم يربح سنتاً من الاقتصاد الأميركي وحصل على الجنسية من والديه، أو ولد على الأراضي الأميركية وغادرها وهو رضيع.

back to top