أمين الهنيدي «الفهلاو» (2 من 5) بداية الشهرة

نشر في 18-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 18-01-2016 | 00:01
عبدالحميد يفجر مفاجأة بدعوة الأسرة لمشاهدة «كشكش بك»
في الحلقة السابقة عرفنا كيف كانت سنوات النشأة الأولى للفنان أمين الهنيدي، وكيف عكست خفة ظله وقدرته على التقليد والمحاكاة و"التشخيص" وسط زملائه في "كُتَّاب" القرية، حيث كان يقلد محفِّظ القرآن الشيخ حسن، قبل أن يعنفه والده، ويمضي الهنيدي في مزاولة هوايته داخل ساحة لممارسة رياضة كرة القدم التي كان بارعاً فيها أيضاً، إلى أن يلامس حلمه في الاقتراب من عالم الفن، حين يسعى إلى مشاهدة عرض مسرحي لفرقة نجيب الريحاني.

بدا أمين مبهوراً بما يجري على خشبة المسرح، فقد فتن بهذا العالم الساحر، كيف يفعلون ذلك؟ وما كل هذا التصفيق الذي يقدمه لهم الجمهور مع كل حركة وسكنة؟ ومن يكون نجيب الريحاني هذا الذي يصول ويجول على خشبة المسرح وكأنه ملك متوج؟

هذه التساؤلات وغيرها بدأت تسيطر على أمين، فلم يجد مناصا من اقتحام هذا العالم وفك طلاسمه، فتسلل من "البنوار" الذي تجلس فيه أسرته، دون أن يلاحظوا، واتجه إلى كواليس المسرح خلال فترة الاستراحة، ليقترب من هذا العالم السحري راصدا ما يدور في الكواليس.

وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثانية من سيرة الفنان أمين الهنيدي:

ظل أمين طوال اليوم حائرا، كيف سيخبر والده، برغبته في الذهاب لمشاهدة رواية "الجنيه المصري"؟ التي سيقدمها من أصبح اليوم حديث المدينة، "كشكش بك" أو نجيب الريحاني، وخاصة أن يوم الغد (الاثنين) لا هو (الثلاثاء) ولا (الخميس)، يوما النزهة الأسبوعية، فقضى يومه مشغولا يفكر في أمر تلك الليلة، حتى إنه حاول التملص من موعد العشاء، علَّ والده يشفق عليه، ويسأله عن سبب عزوفه عن الطعام، فيخبره برغبته، غير أن والده فوَّت عليه هذه الفرصة ولم يسأله، بل كاد يُغشى عليه من شدة الفرح، عندما فجَّر والده مفاجأة، بعد تناول العشاء، لكنه لم يظهر ذلك، حتى لا يبدو أمام والده أنه مهتم بهذا الأمر:

= جهزوا نفسكم هانخرج نسهر بكرة إن شاء الله.

- نسهر؟ ده بكرة الاتنين مش التلات.

= أيوا يا ستي عارف... بس كشكش بيه.. سي نجيب أفندي الريحاني هنا في المنصورة... هأيقدم رواية جديدة.

- نجيب الريحاني هنا في المنصورة... ياااه... فاكر يا سي عبدالحميد آخر مرة كان هنا في المنصورة... كان أمين عنده سنتين.

= أيوه... بس بيقولوا إنه جايب رواية حلوة المرة دي.. اسمها "الجنيه المصري".

* يعني أيه رواية يا بابا؟

= رواية مسرحية... فيها مشخصاتية بيشخصوا... يعني بيحكوا حكاية

* حدوتة يعني زي اللي بتحكيها ماما؟

= حاجة زي كده... بس مجموعة بيحكوها مع بعض مش واحد وبس.  

* طب مانخللي ماما تحكيلنا حدوتة وخلاص، بدل ما نتعب ونروح وندفع فلوس كمان.

= خلاص يا سي أمين، خليك أنت ماما هاتحكيلك حدوتة وتنام... ونروح أنا وماما وأخواتك.

* لا لا، وعلى أيه.. أروح أشوف حدوتة كشكش بيه ده.

كانت هذه هي المرة الأولى التي يشاهد فيها أمين فرقة مسرحية، لتأتي بدايته من خلال عملاق الكوميديا نجيب الريحاني في أوج نجاحاته، ورغم الجهد الكبير الذي بذله الشريكان نجيب الريحاني وبديع خيري في تمصير المسرحية الفرنسية "توباز" وتقديمها باسم "الجنيه المصري" على تياترو "الكورسال" بشارع عماد الدين، إلا أنها لم تحقق النجاح الذي توقعاه، فقررا أن يذهبا بها إلى المنصورة، غير أن جمهور المنصورة لم يكن أفضل حالا من جمهور القاهرة، وقابل المسرحية بفتور لم يعهده الريحاني، وقد وضح ذلك جليا على عبدالجميد وأسرته، بعد الفصل الأول، وراحوا يتمللون، ويحاولون ترك العرض والعودة إلى البيت، باستثناء أمين، الذي طالبهم بالبقاء حتى النهاية.

العالم المسحور

بدا أمين وكأنه مسحور، فقد فتن بهذا العالم الساحر، كيف يفعلون ذلك؟ وما كل هذا التصفيق الذي يصفقه لهم الجمهور مع كل حركة وسكنة؟ ومن يكون نجيب الريحاني هذا الذي يصول ويجول على خشبة المسرح وكأنه ملك متوج؟

قرر أمين أن يفك طلاسم هذا العالم ويقتحمه، فتسلل من "البنوار"، الذي تجلس فيه أسرته، من دون أن يلاحظوا، واتجه إلى كواليس المسرح خلال فترة الاستراحة، ليقترب من هذا العالم السحري.

وقف أمين مشدوها، مأخوذا بما يتم في كواليس المسرح، ربما أكثر مما شاهده فوق خشبة المسرح نفسها، حركة دؤوبة، جدية في التعامل مع ما يقومون به لإضحاك الجمهور، يقف البعض يراجع الجمل التي سيخرج بعد قليل ليقولها للجمهور، هذا يجري هنا، وذلك يجري هناك، خلية نحل، والجميع يعمل تحت مظلة "كشكش بك" الذي يناديه الجميع بلقب "الأستاذ"، ويتحاشى الجميع أن يوجه لأي منهم ملاحظة، غير أن أمين لم يكترث بذلك، واقترب من دون أن يعرف عواقب ذلك، فلمحه الريحاني يتجول في الكواليس.. فأثاره ذلك المشهد، طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره في كواليس فرقة الريحاني، فنادى عليه:

= أنت يا ولد أنت.

* أنا.. أنا يا... يا أستاذ.

= أيوا أنت أمال أنا... أيه اللي جابك هنا... وبتعمل أيه عندك؟ أنت لك حد هنا؟ وجيت هنا إزاي؟

* أنا... أنا جيت هنا مع بابا.

= بابا... أنت ابن حد هنا في المرسح.

* أيوا بابا عبدالحميد أفندي.

= إحنا معانا حد في الفرقة اسمه عبدالحميد أفندي.

* لا يا أستاذ... هو قاعد مع ماما وإخواتي بيتفرجوا بره.

= يا دي المصيبة.. طفل من الجمهور هنا في كواليس الريحاني يا أفندية... دي الحكاية ظاطت أوي... وأيه اللي جابك هنا يا ابن سي عبدالحميد أفندي؟

* أنا... أنا...

= أنت أيه؟ انطق.

= أنا جيت هنا علشان عايز أشخص معاكم.

* هاهاها... كده مرة واحدة.. عايز تشخص معانا.

* أيوا... أنا حبيتكم أوي... وحبيت تشخيصكم، وعايز أشخص معاكم.

= طب اسمك أيه بقى يا مشخصاتي نص كم؟

* أنا اسمي أمين عبدالحميد أمين الهنيدي.

= طب شوف يا سي أمين الهنيدي... لما تكبر شوية تعاللي مصر وأنا أشغلك معايا في فرقة الريحاني.

طار أمين عبدالحميد فرحا، شعر بأنه لا يمشي على الأرض، بل يطير، فقد أخذ وعدا من كشكش بك، بأنه سيلتحق بأكبر فرقة كوميدية في مصر المحروسة، ليعمل بالتشخيص، الذي وقع في هواه، فقد اكتشف أن البذرة كانت بداخله من دون أن يعرف، فلم يكن ما يقوم به تجاه "الشيخ حسن" سوى تشخيص، من دون أن يدري، حتى جاء الريحاني وفرقته ووضعوا يده على ما لم يكن يدركه، لذا اتخذ أمين قرارا منذ ذلك اليوم، بأن يكون "مشخصاتيا"، وراح يدرب نفسه ليكون جاهزا.

رغم أن مسرحية "الجنيه المصري" لم تلقَ قبول أي من أسرة أمين، إلا أنه خرج منها، وقد حفظ أغلب مونولوجاتها وديالوجاتها، بل راح يتابع الإذاعة، ويسمع من خلالها ما يتم نقله عبرها من مسرحيات فرق الريحاني وعلي الكسار وجورج أبيض ويوسف وهبي، ويحفظ منها الكثير من المشاهد الكوميدية والتراجيدية، بل ويحفظ الأغاني التي تقدم من خلالها، حتى إنه حفظ لحن الشيخ سيد درويش "القلل القناوي"، الذي كتب كلماته بديع خيري، وأصبح يغني بمناسبة ومن دون مناسبة، بين أقرانه عندما يجمعهم ليقدم لهم واحدا من المشاهد التمثيلية التي شاهدها في مسرحية "الجنيه المصري"، أو من تلك التي سمعها في الإذاعة، ثم يختتم برنامجه بأغنية "القلل القناوي".

شهرة مبكرة

مع صغر عمر أمين، إلا أنه أصبح أشهر من والده في المدينة كلها، يعرفه الكبير قبل الصغير، حتى إن البعض من كبار رجال المدينة أصبحوا يحرصون على توجيه الدعوة له في أفراحهم، ليقوم بغناء أغنية "القلل القناوي"، أو أي من "اسكتشات" المسرحيات، أو المونولوجات التي يقدمها المونولوجست سيد سليمان في الإذاعة، ولم يكن لوالده أن يرفض، ليس اقتناعا بما يفعله أمين، بل حرجا من إلحاح الأصدقاء والجيران، غير أنه استشعر الخطر على نجله، أن يجرفه هذا التيار، فيهمل دراسته، ويصبح هذا هو مصيره ومستقبله، مجرد "قراقوز" يعمل على إضحاك الناس وإدخال السرور إلى قلوبهم، رغم أنه متفوق في دراسته، وحصوله على أعلى الدرجات في الشهادة الابتدائية، ورغم ذلك راح عبدالحميد يبحث عن حل أو وسيلة لإبعاد نجله عن هذا الطريق، إلا أن الحل جاء رغما عن الجميع، فقد صدر قرار من مصلحة السجون، بنقل عبدالحميد أمين، من المنصورة إلى القاهرة، ليس نقلا تعسفيا، بل وفقا للقواعد المتبعة مع بقية موظفي المصلحة، مثلما سبق ونفذ عبدالحميد النقل من قبل إلى المنصورة نفسها.

بقدر حزن أمين على فراق المنصورة وأهلها، وخاصة أصدقاءه الذين وُلد وتربى معهم، بقدر فرحة عبدالحميد بهذا الحل الإلهي، الذي جاء في وقته، لإنقاذ ابنه أمين من ذلك الطريق، الذي بدأ يسير فيه، تحت دعاوى الأصدقاء والجيران، بأن ما يقوم به لم يخرج عن كونه "شقاوة عيال وتسلية".

قبل أن تنزح العائلة إلى القاهرة، سبقهم عبدالحميد، لتسلم العمل، وفي الوقت نفسه، ليختار مسكنا جديدا للأسرة، قبل أن يرسل في طلبهم، فوقع اختياره على منطقة روض الفرج في قلب القاهرة، لتكون مقرا جديدا لسكن العائلة.

لم يترك أمين جماعة أو نشاطا في مدرسة شبرا الثانوية، إلا والتحق به، فالتحق بجماعة الخطابة، والإذاعة المدرسية، وجماعة الرسم والفنون التشكيلية، كما انضم إلى فريق كرة القدم بالمدرسة، فضلا عن اهتمامه بأسماك وعصافير الزينة، التي حرص على أن يقتنيها في بيته، فأصبحت أيام الأسبوع لديه موزعة بين مواهبه واهتماماته المتعددة، حتى إن أساتذته ومدير المدرسة، راحوا يتعجبون من هذا التلميذ، الذي لا يترك نشاطا إلا واشترك فيه، فمن أين يأتي بالوقت للتميز في كل هذه الأنشطة التي يبرع فيها جميعا؟ والأهم من ذلك أنه لم يكن يهمل دروسه، بل كان متفوقا في كل علومه، وزاد من دهشتهم، أنه كان أول المنضمين لفريق التمثيل، عندما قررت إدارة المدرسة المشاركة في مسابقة مدارس القاهرة بعمل مسرحي، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أمين من المشرف على فريق التمثيل:

= أنت يا ابني ماوراكش حاجة.. مالكش أهل؟

* ليه بس يا أستاذ عبدالمتجلي؟

= ليه أيه؟ أنت مش سايب حاجة لحد... جماعة خطابة تشترك، جماعة الرسم موجود، الخطابة وفريق كرة القدم شرحه... نقول فريق للتمثيل ألاقيك أنت برضه أول واحد جاي تقدم.

* وأنا ذنبي أيه يا أستاذ عبدالمتجلي... هو أنا كنت منعت حد يقدم

= مش عايز غلبه... لما نشوف الفريق الأول هايكتمل ولا لأ، وبعدين نفكر في أمرك.

* ماهو مافيش حد تقدم لفريق التمثيل أنا ذنبي أيه.

= ماهو ماتحاولش.. يكتمل الفريق الأول، وبعدين أشوف إذا كنت تنفع ولا لأ.

* أنا جاهز للاختبار يا أستاذ عبدالمتجلي حضرتك ممكن تختبرني دلوقت... وبعدين دا الأستاذ نجيب الريحاني شافني في المنصورة، وقاللي إني هأبقى مشخصاتي كويس أوي، ووعدني يشغلني معاه في الفرقة.

= نجيب الريحاني حتة واحدة... طب تصدق يا واد أنت تنفع فعلا... شكلك كده ما هاتنفع في مدارس، وآخرتك هاتبقى مشخصاتي أراجوز من بتوع التلات ورقات... امشي من قدامي مشش في ركبك.

مريض الوهم

لم يُحبط أمين من كلام الأستاذ عبدالمتجلي، كما لم يهبط من عزيمته، بل ظل على مدار أسبوع كامل، يتنقل من فصل لآخر، يجلس خلال فترة الاستراحة مع من يتوسم فيهم بوادر موهبة التمثيل، يحاول أن يقنعهم بأهمية تنمية موهبتهم في التمثيل، وكيف يمكن أن يصل بهم هذا إلى مصاف النجوم الكبار، وأنه قد يخرج من بينهم نجيب الريحاني، أو يوسف وهبي، أو حتى الكوميديان الجديد إسماعيل ياسين، حتى استطاع أن يحشد في نهاية الأسبوع أكثر من خمسة عشر تلميذا من مختلف فصول المدرسة، كانوا جميعهم لديهم رغبة حقيقية في الانضمام إلى فريق التمثيل بالمدرسة، فلم يجد الأستاذ عبدالمتجلي بُداً من أن يوافق على انضمام أمين إلى فريق التمثيل، وبدأ معهم التدريب بالفعل على مسرحية "البخيل" للكاتب الفرنسي موليير، التي سيقدمونها ضمن المسابقة، لتكون المفاجأة التي لم يتوقعها الأستاذ عبدالمتجلي المشرف على فريق التمثيل، هي فوز فريق مدرسة شبرا الثانوية بالمركز الأول على مدارس الإدارة التعليمية، ما دفعه لأن يستعين بأمين، ليكون مساعدا له على تدريب زملائه في فريق التمثيل، ليشعر أمين بأنه وضع قدميه على بداية طريق تحقيق حلمه في التمثيل، والاستعداد للالتحاق بفرقة نجيب الريحاني، غير أنه أفاق من فرحته على صدمة جديدة ساقها له والده.

قبل أن يفرح أمين بمهمته الجديدة، في مساعدة المشرف على فريق التمثيل بمدرسة شبرا الثانوية، فاجأه والده وبقية أفراد الأسرة، بخبر صدور قرار من مصلحة السجون، بنقله مجددا، غير أنه لن يعود إلى مدينة المنصورة مرة أخرى، بل جاء النقل هذه المرة إلى مدينة الإسكندرية، حيث منطقة سجون "الحضرة".

لم يكن أمام عبدالحميد سوى أن ينفذ قرار النقل فورا، حيث سافر بمفرده لتسلم عمله الجديد بسجن الحضرة بالإسكندرية، على أن تلحق به الأسرة، بعد أن يحصل أمين على شهادة "البكالوريا"، التي لم يبقَ عليها سوى عدة أشهر.

بقدر حزن أمين على نقل والده إلى الإسكندرية وترك الأسرة، وهو ما يعني أن الأسرة بأكملها ستنتقل خلال أشهر قليلة للحاق به، إلا أنه وجدها فرصة ليستمتع بهوايته في التمثيل، من دون أن يخشى عاقبة عودته متأخرا لانشغاله بالتدريبات، أو حتى عندما قرر أن يذهب لمشاهدة إحدى مسرحيات نجيب الريحاني بشارع عماد الدين، مستغلا حب والدته له، وعدم رفض أي طلب له، بل وتشجيعها لموهبته.

عاد أمين من مسرح نجيب الريحاني وقد شحن بشحنة عالية من فن التمثيل، جعلته غير راضٍ عما يقوم به، ويعتبره كل من حوله تمثيلا، بمن فيهم الأستاذ عبدالمتجلي، الذي يقوم بتدريبه مع بقية فريق التمثيل بالمدرسة، وخاصة عندما بدأوا بالفعل البروفات على المسرحية التي سيشاركون بها في مسابقة الإدارة التعليمية، بعنوان "مريض الوهم"، آخر مسرحية كتبها الكاتب الفرنسي موليير، التي قدمها مع فرقته المسرحية أول مرة يوم 10 يناير 1673، وجسَّد فيها شخصية "أرجان"، الذي يتوهم أنه مريض، وهو لا يشكو من أي شيء في الواقع، لكنه يشعر بأن المرض يحاصره، وحتما سيموت بسببه، ويتقن موليير أداء الدور بتمكن كبير، لدرجة أنه يصاب بمرض "السل" أثناء تقديم المسرحية، ويشتد عليه المرض، وفي الليلة الأخيرة التي قدم فيها العرض، يشتد عليه المرض، ويقوم أعضاء الفرقة بنقله إلى بيته، ليرحل بعد ساعتين تقريبا من انتهاء العرض يوم 17 فبراير 1673، عن عمر يناهز 51 عاما.

وجد عبدالمتجلي أن أمين يثور على زملائه بقية فريق التمثيل، لعدم تعاملهم مع المسرح بجدية، وأنهم يأتون إليه، باعتباره تسلية يقومون بها وقت فراغهم، غير أن عبدالمتجلي لاحظ أن أمين بمجرد صعوده إلى خشبة المسرح تنتابه حالة من العصبية والتوتر الزائدين، بعيدا عن التسلية التي يزعمها، رغم أن المسرحية من المفترض أنها كوميدية:

= أيه يا أمين مالك مش مظبوط ليه؟

* أبداً يا أستاذ مافيش حاجة.

= مافيش حاجة إزاي؟... أنا ملاحظ أنك أول ما بتطلع على خشبة المسرح زي ما يكون عفريت بيركبك، وتبقى مش على بعضك.

* ما حضرتك شايف بيهرجوا إزاي، ومش حاسين أنهم بيعملوا تمثيل بجد.

= واد يا أمين... الموضوع مش كده خالص... قوللي في أيه؟

* بصراحة يا أستاذ عبدالمتجلي، أنا متشائم من المسرحية دي... ومن شخصية "أرجان" بالذات.

= متشائم؟! ليه يا أخويا، ده أنت بطل المسرحية؟

* أصل أنا لما قريت عن المسرحية وعن موليير... عرفت أنها آخر مسرحية كتبها... وكمان مات وهو بيمثلها، ومن ساعتها وأنا متشائم.

= الله يخيبك يا أمين يا ابن عبدالحميد... وأنت إيش وصلك لموليير؟... لتكون فاكر نفسك بقيت ممثل بجد يا وله؟

* مش قصدي يا أستاذ، بس أنا مابحبش سيرة الموت.

= موت أيه اللي بتفكر فيه في سنك ده؟.. الله يخيبك ولد... ده أنت طلعت حدوتة... انسى الموضوع ده خالص... المسابقة فاضل عليها تلات أيام... نخلص المسابقة، وبعدين نقعد نفكر في موضوع خوفك من الموت ده.

شبرا منطقة الأمراء والباشوات والطبقة الأرستقراطية

قبل مطلع القرن التاسع عشر، لم يكن هناك وجود لمنطقتي روض الفرج وشبرا، بل كانت المنطقة عبارة عن جزيرة وسط النيل يطلق عليها "جزيرة الفيل"، ثم بفعل طمي النيل اتصلت الجزيرة بالأرض، لتصبح مساحة شاسعة من الأرض، تمتلئ بالحدائق والزراعات، فأطلق الأهالي على الجزء القريب من النيل "روض الفرج"، نسبة إلى مقام أحد الصالحين الموجود بالقرب منها، ويُدعى "سيدي فرج"، وسرعان ما تحوَّلت المنطقة إلى متنزه ومصيف لبعض أسر الطبقة الوسطى والفقيرة، وانتشرت بها في ما بعد المسارح والكازينوهات. أما المنطقة الخلفية، التي اشتهرت بوجود عدد كبير من الأقباط، فأطلق عليها منطقة "شبرا"، التي تعني باللغة القبطية "العزبة"، واشتهرت أيضا بالحدائق، فأطلقوا عليها "حدائق شبرا".

 وفي عام 1809 اختار محمد علي باشا موقعاً على شاطئ النيل في شبرا لبناء قصره في منطقة على مساحة 50 فداناً في متسع من الأرض، يمتد إلى بركة الحاج، واستولى فيه على عدة قرى وإقطاعيات، وبدأ بناء قصره، وغرس فيها البساتين والأشجار، لكن سقط سقف القصر بعد انتهاء بنائه، فأعيد بناؤه، وفي 1812 أنشا محمد علي عدداً من السواقي لتوفير المياه للقصر والحدائق، وأمر بتمهيد الطريق إلى قصره... فأصبح شارع شبرا الذي تحول إلى مكان للنزهة والترويح، وبمرور الوقت تحوَّلت منطقتا روض الفرج وشبرا إلى منطقة لسكن الأمراء والباشوات والطبقة الأرستقراطية من البكوات، وانتشرت القصور في أنحاء روض الفرج، ومنها "قصر النزهة"، الذي يقع في المنتصف بين منطقتي روض الفرج وشبرا، وكان قد منحه الخديوي إسماعيل كهدية إلى طوسون باشا ابن سعيد باشا والي مصر الأسبق للإقامة فيه، ومع مطلع القرن العشرين، لم تعد المنطقة مناسبة ليقيم فيها أي من أفراد الأسرة الحاكمة، فتركت أسرته القصر، وتنازلوا عنه، ليتم تحويله إلى مدرسة ثانوية، أطلق عليها اسم "مدرسة شبرا الثانوية"، وهي المدرسة التي التحق بها أمين، ليبدأ دراسته في المرحلة الثانوية، بعد أن استقرت العائلة في روض الفرج.

البقية الحلقة المقبلة

back to top