ضجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بردود الفعل الغاضبة على ما نشر حول تعيينات جديدة في مناصب قيادية في الدولة، وذلك بعد ساعات من إعلان أحد النواب خبر هذه التعيينات كأنباء سارة للقبيلة قبل صدور القرار الرسمي، الأمر الذي يؤكد أن إجراءات القرار السياسي لحكومة دولة الكويت وصناعته وخلفياته لا تزال تدار بعقلية القرن الثامن عشر.

Ad

لا شك أن أبناء الكويت لهم كامل الحق في تولي المناصب العامة صرفاً عن انتماءاتهم وتوجهاتهم، بل إن جميع القيادات الإدارية والسياسية موزعة أصلاً على الكويتيين من خلفيات متنوعة، وهذا أمر طبيعي وحتمي في حد ذاته، ولكن نظراً للحساسية المفرطة في بعديها الطائفي والطبقي فإن كل التعيينات بلا استثناء تقريباً تتعرض للنقد والرفض من الفئات الأخرى وشمّاعة القبلية والطائفية جاهزة لتعليق أي قرار في هذا الخصوص عليها.

لكن أن تصل الأمور إلى حد المجاهرة والمتاجرة بهذه التعيينات والإعلان عنها باسم قبيلة أو طائفة أو عائلة فهذا أمر مرفوض حتماً، ولا يعكس مفهوم الدولة المدنية أو قيم المواطنة أو احترام القدرات والمؤهلات التي توصل أصحابها على سلم الارتقاء الوظيفي دون فضل أو منّة من أحد.

الناس أيضاً لا ترحم، وسيل من المعلومات المرسلة يتدفق على من يتم تعيينهم، إما في مؤهلاتهم العلمية أو تدرجهم الوظيفي أو مستوى كفاءتهم الإدارية أو درجة قربهم من أصحاب النفوذ والقرار، وقد تكون مثل هذه المعلومات صحيحة، فعندئذ يجب أن يكون هناك موقف من جهات المراقبة والمحاسبة، أو تكون ملفقة بغرض تشويه السمعة والمتاجرة السياسية أيضاً، وهنا يجب أن يكون الموقف على قدر من المسؤولية للدفاع عن أصحاب الحق باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.

مثال التعيينات الأخيرة في مناصب وكلاء الوزارة ليست حالة عابرة أو جديدة، ولكنها استراتيجية حكومية ممنهجة ومنظمة، وترمي إلى كسب بعض الفئات والاستعانة بهم في ضرب الفئات الأخرى، أو أنها إشارات إغراء للمكونات الأخرى للارتماء في الحضن الحكومي لأنها الضرع الكبير الذي يرضع كل أشكال المناصب والمصالح والامتيازات، وفي الحالتين يكون الوضع الإداري وطريقة التعامل في رسم السياسة العامة في الدولة مزريين ويبعثان على الغثيان.

أرشيف الحكومة وكذلك لجان مجلس الأمة زاخر بالاقتراحات ومشاريع القوانين المنظمة لمعايير وآليات اختيار شاغلي الوظائف القيادية بدرجة كبيرة من الشفافية والموضوعية، والتي تكون نتائج الاختيار بموجبها صمام أمان ليس لتجسيد مبادئ الوطنية وتكافؤ الفرص أمام الجميع، بل الأهم من ذلك ما تقدمه الشخصيات المتميزة والجديرة بالثقة والكفاءة كقيمة مضافة في موقع العمل والمسؤولية.

من المعيب حقاً أن تعلن الدولة حالة الاستنفار، وتدق جرس الخطر لأيام قاسية آتية، وتحذر من شفا الإفلاس المالي، وتدعو الناس إلى الاستعداد لحلق رؤوسهم وفتح جيوبهم، ولا يهتزّ لها جفن في إصلاح سياساتها الفاسدة والمفسدة وشراء الولاءات السياسية حتى إن كانت على حساب مستقبل إدارة شؤون الدولة في ظروف عصيبة، ولكن إلى من المشتكى؟ إلى مجلس الأمة الذي اصطف العديد من نوابه على بوابة مجلس الوزراء ليستجدوا منصباً لأحد أقربائهم أو مفاتيحهم الانتخابية حتى يتباهوا بعدها بالإنجازات التي قدموها للأمة؟!