المجد في الحب للفرح!

نشر في 14-01-2016
آخر تحديث 14-01-2016 | 00:01
 مسفر الدوسري نخطئ حينما نظن أن من يحزنون لنفس الأسباب التي تحزننا هم الأقرب لمشاعرنا، وأن الذين تتطابق أرقام حقائب دمعهم السرية مع أرقام حقائب دمعنا هم الأكثر قدرة على التماهي مع أحاسيسنا والأقرب لفهمها، وبالتالي هم الأجدر بثقة قلوبنا، مما يجعلنا على قناعة تامة ويقين بأنهم هم الأصلح لبناء علاقة معهم بعيدة عن متناول الحظ والنصيب، ولشراكة عمر طويلة الأجل، مفترضين أنهم الأكثر رقة وحناناً ورأفة، وأن عواطفنا بين أيديهم لن تبقى في مهب الريح!

نخطئ حين نراهن على لحظة تجمع قلبين عند اشتعال جمرة حزن، فيتقاربان إلى حدّ التوّحد، ونظن أن ذلك سيبقى ديدنهما ما بقي بهما نبض، نضل الطريق إلى الهدى إذا ما اعتقدنا أن ذلك كافٍ لأن نحث مطايا مشاعرنا على السير مغمضة العيون في درب من شاركونا دمعة واقتسموا معنا فيضها، اقتسام الحزن مع أحدهم لا يسدّ رمق يقين بأن هذا الذي قاسمك رغيف الحزن الساخن جدير بأن يكون رفيق سفر طويل، فالحزن مخاتل وله جلد أفعى ولون حرباء، فرؤية دمعة ملقاة على قارعة هدب عين غريبة قد تفتح الأهداب على مصراعيها لدمعة أخرى في عين لا تمتّ لتلك العين بأي صلة، ولأسباب أخرى لا تشبه أسبابها، وقد تنشأ الألفة بين دمعتين بفعل التحريض والاستفزاز لا أكثر، وليس بدافع الرغبة في اقتسام الهمّ، وإنما من باب كل غريب للغريب نسيب، هذا النوع من الألفة لا يعوّل عليه بأن يكون عموداً لخيمة قلب، أو سقفاً لبيت حب، هذا النوع من الألفة وقتي وآيل للزوال بزوال اللحظة التي احتضتنتها غالباً.

احتياجنا لمن يشاركنا حزننا، فعلياً هو ليس احتياجاً حاداً إلى حدّ الموت، فبإمكاننا أن نحزن وحيدين، بل إن الحزن يستكين بالوحدة ويأنس بها تلك هي طبيعته، إنما احتياجنا الحقيقي عندما نحزن هو لمن يعرف كيف ينزع عن قلوبنا ثياب الحزن ويُلبسها ثياب الفرحة، لمن يستطيع أن يجعل من دموعنا ماءً يروي زهرة ابتسامة، لذلك الشخص الذي يعرف كيف يهش براحة يده ذلك الطائر الشرير الساكن شجر أنفاسنا وينهب ثمر الحياة فيها، ويزيح بدفعة من يده صخرة اليأس التي تغلق باب القلب، في غمرة أحزاننا لسنا بحاجة فعلية لمن يشاركنا الآه، بل لمن يعرف كيف ينزع شوكها من صدورنا، ولسنا بحاجة ماسة لمن يرتّل معنا في الدجى آيات النواح، بل لمن يعرف كيف يفتح لأمانينا نافذة الصباح، شخص بهذه المواصفات لابد أنه يعرف جيداً شيفرة الفرح الخاصة بنا، وخريطة طريق ابتسامتنا المخفية، وهو لن تتأتى له هذه المعرفة الجيدة إلا إذا كانت لفرحته وابتسامته ذات الشيفرة، وذات خريطة الطريق.

إن الرهان الأضمن للعلاقات الطويلة، والتي يُطمح أن يكون لها نصيب وافر من زوادة العمر هو على ذلك الشخص الذي تضحكه ذات المواقف التي تضحكنا، وتُفرحه ذات الأشياء التي تفرحنا، هذا الشخص هو القادر على إرضائنا عندما نزعل منه، وإضحاكنا في عزّ غضبنا عليه، وهو القادر على استدراج غفراننا لخطاياه!

المجد في الحب للفرح لا للحزن.

back to top