في الثالث والعشرين من شهر يونيو سوف تصوت المملكة المتحدة على قرار حول بقائها في الاتحاد الأوروبي أو انسحابها منه، وهذا القرار ينطوي على أهمية كبيرة تحمل عواقب اقتصادية وسياسية تتم مناقشتها بشدة في الوقت الراهن.

Ad

وإذا اختار الشعب البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبي فقد يفضي ذلك إلى تفكك الاتحاد ودفع المسار العالمي نحو تكامل سياسي أكبر وأوسع.

ويطرح هذا الوضع سؤالاً محيراً: ما هو الحجم الأقصى للأداء الاقتصادي؟ هل نحن في حال افضل مع وجود العديد من ولايات المدن الصغيرة المتنافسة، وحفنة من الدول المتوسطة الحجم او مجرد قلة من الدول الكبيرة التي تشرف كل واحدة منها على المئات من الملايين من السكان؟ وإذا كان الحجم الأكبر أفضل فماذا عن حكومة عالمية؟

في حقيقة الأمر، سبق أن فكر الاقتصاديون في هذه الأمر طويلاً، وفي سنة 1956 كان تشارلس تيبوت يعتقد أنه توصل الى حل لهذه المشكلة، وكان يظن أن الحكومات المحلية تعرف المزيد عن احتياجات شعبها من الحكومات المركزية البعيدة، وهكذا فإن النظام الأفضل كان وجود وحدات محلية حاكمة، تتمثل في ولايات مدن بشكل أساسي، وتعرض شرائح مختلفة من الضرائب والخدمات العامة.

ويمكن القول إن هذه رؤية مقبولة تماماً، هل تريد العيش في فردوس متحرر يتم فيه بناء كل الطرق والمدارس عبر القطاع الخاص؟ في عالم تيبوت سوف توجد مدينة تستطيع استيعابك، أم هل تريد بدلاً من ذلك وجود العديد من القطارات والمشافي التي صنعتها الحكومة، ذلك سوف يكون متوافراً أيضاً.

لقد اقترح عدد من مفكري العصر الحديث العودة الى اسلوب تيبوت في ولايات المدن على شكل حل لمشاكلنا السياسية وحالة الشلل في وضع السياسة الملائمة.

 وفي سنة 2013 اشار رجل الأعمال والرأسمالي بالاجي سرينيفاسان الى أن وادي السليكون يمكن ان ينسحب من الولايات المتحدة ويشكل عالماً تقنياً مستقلاً، كما أن العديد من أصدقائي اليابانيين اقترحوا بالمثل انسحاب طوكيو من اليابان، مع ملاحظة أن كل اولئك الذين يفضلون الانفصال لم يكونوا من سكان العاصمة طوكيو، بينما فضل البعض الآخر اقتصادات ولايات المدن على غرار سنغافورة ودبي وهونغ كونغ.

التشظي السياسي

ويقول البعض أيضاً إن التشظي السياسي كان مفيداً في الماضي، وأشار عالم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) غارد داياموند في كتابه بعنوان "البنادق والجراثيم والفولاذ" إلى أن المنافسة بين الدول الصغيرة سمحت لأوروبا بالانطلاق والتقدم على الصين الموحدة في الثورة الصناعية. كما جادل الاقتصاديان براد دي لونغ وأندريه شليفر في سنة 1993 في أن ولايات المدن ساعدت على تطور أوروبا (على الرغم من أن الأدلة الأكثر حداثة تشير الى عكس ذلك).

 وتشير أدلة عرضية أيضاً الى أن استقلال الوضع الراهن لتايوان عن الصين ساعد على تزويد البر الصيني بنموذج رأسمالي من أجل إنعاش اقتصاده المتردي في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

وهكذا كانت هناك عدة مجادلات اقتصادية وتاريخية تؤيد التشظي، وهي تشير ضمناً الى ان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يكون جيداً ليس فقط بالنسبة الى المملكة المتحدة بل الى أوروبا كلها.

ولكن كانت هناك مجادلات في الجانب الآخر أيضاً، وقد استعرض الرياضي والاقتصادي ترومان بيولي فكرة تيبوت في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وتبين له أن عمل ولايات المدن لا يفضي دائماً الى نظام جيد الأداء.

ويوجد العديد من الأسباب التي تثبت أن فكرة تيبوت يمكن أن تفشل، ويتمثل أحد تلك الأسباب في أن الكثير من الخدمات التي توفرها الحكومة هي ضمن ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد البضائع العامة، وهذه هي أشياء لا يستطيع القطاع الخاص – أو انه لا يريد – القيام بها، وتتكون الأمثلة الكلاسيكية في هذا الصدد في الدفاع الوطني والشرطة والمحاكم ودعم البحث الأساسي، ولكن العديد من الأشياء الاخرى، مثل الطرقات والشبكات الكهربائية والموانئ، تكون ضعيفة في العادة عندما تترك للقطاع الخاص.

عقبة

وعندما تكون لديك بضائع عامة يعتمد رفاه المرء الاقتصادي على القدر الذي يرغب كل شخص آخر في تلك المدينة أو الولاية أو الدولة في دفعه من أجل تنفيذ أشياء مثل الطرقات وشبكات الطاقة والمجارير، ويسبب ذلك عقبة كبيرة في طريق نموذج تيبوت نظراً لوجود العديد من الأنواع المختلفة من تلك البضائع، كما أن الكمية التي يريدها منها تميل الى ان تكون مختلفة الى حد كبير.

وقد أتفق أنا وأنت على أننا في حاجة الى طرقات جيدة ولكنك قد تهتم بقدر أكبر بالبنية التحتية الواسعة أو المدارس بقدر يفوق اهتمامي بذلك، وقد أظهر بيولي أن توزيع الحكومة ضمن أطنان من الوحدات المحلية لن يفضي الى حل تلك المشكلة الشائكة.

القضية الثانية

تتمثل القضية الثانية في أن الحكومات لا تملك دائماً الحوافز الصحيحة، وقد تقرر حكومات عديدة توسيع قاعدة الضرائب الى الحد الأقصى، بينما قد تهتم حكومات اخرى بتوفير الرعاية لمواطنيها فقط، وربما تهتم حكومات اخرى أيضاً في مصالح خاصة- وأنا أتخيل أن مدينة سان فرانسيسكو مستقلة سوف تحكم من قبل أصحاب أملاك محليين بقدر يفوق ما هو الحال في الوقت الراهن.

ولا يوجد نوع مثالي من الحكومة المحلية، وهكذا سوف يتعين علينا توسيع التشكيلة منها، وقد أظهر بويلي أن هذه المشكلة تمنع أيضاً نجاح عمل تيبوت في تحقيق عالم ينطوي على كفاءة اقتصادية كبيرة.

وتجدر الاشارة الى وجود العديد من المشاكل الاخرى التي لم يفكر بيولي فيها، وعلى سبيل المثال قد يكون من الصعب تماماً تحقيق تنسيق بين ولايات للمدن (حكومات صغيرة محلية)، تهتم بأمر الحفاظ على مساحات مكشوفة ومفتوحة، وتعترض على طرقات عامة عابرة للقارات، قد تسهم في تحسين دخل كل شخص على وجه التقريب.

احتمالات الغزو

وهناك أيضاً احتمال قيام واحدة من ولايات المدن باتخاذ قرار بغزو جاراتها، ومن ثم إعادتنا الى عالم الامبراطوريات. وفي حقيقة الأمر فإن هذا هو ما حدث على وجه التحديد في أوروبا والصين، وفي أماكن اخرى في كل مرة تعرضت فيها تلك الأقاليم للتشظي.

ثم إن الطريقة الوحيدة للدفاع عن النفس في وجه امبراطورية مجاورة كما تبين للعديد من المدن تكمن في الاتحاد ضمن دولة واحدة، ونظراً لأن السلام جيد من أجل تحقيق النمو فإن مثل تلك الاعتبارات المتعلقة بالأمن تنطوي أيضاً على أهمية اقتصادية.

وعليه فإن الجواب على السؤال المتعلق بالتشظي هو أنه لا يوجد حجم مثالي. وفي بعض الأحيان قد تكون ولايات المدن هي الأفضل، ولكن في أحيان اخرى قد تكون الولايات السوبر أفضل، وربما تكون المملكة المتحدة على وشك الدخول في تجربة مثيرة للاهتمام، واذا خرجت من الاتحاد الأوروبي سوف يخبرنا التاريخ اذا كانت تلك فكرة جيدة.

* Noah Smith