خارج السرب: حرية تعبير الحبيب و «المش حبيب»
الحمد لله أن ترتيب الكويت في حرية التعبير والصحافة يقبع في مركز دون المتوسط، وهو مركز قطعاً لا يليق بمكانتها التاريخية ولا الدستورية، وأقول: الحمد لله هنا من باب "أقضب مجنونك لا يجيك اللي أجن منه"، فلو أن باحثي التقارير الدولية لم يعتمدوا فقط على الأخبار والقوانين الصادرة ونوع القضايا المرفوعة وغاصوا أكثر في الحواري والأزقة والقفار المجتمعية ليحتكوا مباشرة بنا، إذن لكان ترتيبنا يقيناً يقبع على الحديدة ولكانت فضيحتنا بجلاجل!نعم يا سادة، نحن هاك المجتمع الذي يدعي وصلاً بـ "ليلى الحريات" وفي فيه وفي الحكومة والمجالس من ليلي التراب!، وإذا كانت الحكومة والمجلس يقمعان الحريات أو يقلصانها بالقوانين فالمجتمع لديه أدواته القمعية الأخرى، وهي أدوات قاسية جداً لدرجة أنك إذا قارنتها بأدوات القمع الأخرى فلن تملك إلا القول للأخرى: "أبوك للجنة"!
ولا داعي للتدليل على أمر كهذا، فكلنا عيال قرية وكلٌّ يعرف أخاه، وهي شمس في هاجرة النهار، شمس نحاول عبثاً تغطيتها بمنخل شماعات الحكومة والمجالس وغربان الفساد، فقط راقبوا التحريض المستمر على بعضنا في مواقع التواصل، وراقبوا قفزنا المتواصل من فوق مراكب الآراء للغوص "لشوشتنا" في بحر نوايا صاحب الرأي، راقبوا كيف نتعامل مع الرأي المخالف الذي يدخل حلبة أي حوار هنا، وكأنه يحمل عاره لا فكرته أو رأيه، راقبوا كيف يتحول نقد الرموز السياسية إلى حفلة زار تحرق فيها أطنان بخور التوبيخ والتشبيح وتدار فيها الرؤوس بفعل خمر التمجيد لصاحب العظمة والجلال مولانا الرمز الأوحد حامي حمي التاريخ وصاحب صولجان القداسة، راقبوا كيف يصبح ضرب الحبيب المقرب لثوابتنا ومبادئنا "زي أكل الزبيب"، وكيف يصبح ضرب غيره "المش حبيب" على وتر واحد لعود رأي قابل للنقاش نوعاً من النشاز المدنس يستحق تكسير العود وأوتاره فوق رأسه. راقبوا كل هذا وستعرفون لِمَ حمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وستعرفون حقيقة أنكم كما تولولون كمجتمع دوماً على الحريات فأيضاً الحريات تولول و"تشق هدومها" منكم دوماً وأبداً.