اللقاحات مقابل الجراثيم

نشر في 18-02-2016
آخر تحديث 18-02-2016 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن انتشار فيروس زيكا، مثل الإيبولا قبله، قد سلط الضوء على الخطر الذي تشكله الأمراض المعدية على صحة بلدان بأكملها، وكذا أهمية اللقاحات لمكافحة الأوبئة التي تتحرك بسرعة، في الواقع، إن الجهود جارية بالفعل لإيجاد السبل لتحصين الناس ضد كلا الفيروسين، لكن اللقاحات لها دور مهم أيضا في حمايتنا ضد تهديد فتاك وأكثر قابلية للتنبؤ: عدوى مقاومة العقاقير.

وعلى عكس الانتشار السريع وغير المتوقع مثل تفشي وباء زيكا، فإن مقاومة مضادات الميكروبات تشبه حادث سيارة بطيئة الحركة، وإن مسببات الأمراض المقاومة تؤدي إلى نحو 700.000 حالة وفاة كل عام، فإذا فشلنا في اتخاذ الاحتياطات اللازمة، سيقتل نحو عشرة ملايين شخص سنويا بحلول عام 2050.

إن تطوير مضادات حيوية جديدة، ووضع أساليب لتمديد فترات حياة الأدوية الحالية سيساعد على الحفاظ على ضمان العلاجات الفعالة، لكن اللقاحات توفر فرصة فريدة من نوعها، فهي تساعد على الحد من عدد الإصابات وبفضلها لن تكون هناك حاجة لتناول الدواء، ولأن استخدام (أو الاستخدام المفرط) للمضادات الحيوية هو ما يؤدي إلى مقاومة العقاقير، سيتم تخفيف الضغط على أنابيب العلاجات الفعالة. مع الأسف لم يُتعرف بعد وبشكل واضح على القيمة التي يمكن للتلقيح أن يوفرها في هذا المجال، ونتيجة لذلك فإننا لا نتحرك بسرعة كافية لتطوير أنواع اللقاحات التي يمكن استخدامها لمنع مقاومة مضادات الميكروبات.

إن تطوير اللقاح يستغرق فترة طويلة، وفي كثير من الأحيان يأخذ أكثر من عشر سنوات، وهو مسعى له مخاطر بالغة، بالإضافة إلى غالبية اللقاحات التي يتعذر عليها الوصول إلى السوق، ونتيجة لذلك فإن العديد من اللقاحات ليست مجدية تجاريا، حتى لو كانت مفيدة للمجتمع. وفي الحقيقة لا يوجد لقاح متاح لأي من التهديدات المقاومة الثلاثة التي تعتبرها المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية مسألة "مستعجلة": الكلوستريديوم الصعب، ومقاوم العقاقير المعوية الكاربابينيم، ومقاوم الأدوية النيسرية البنية، ولا توجد لقاحات كافية ضد هذه الجراثيم الخاضعة للتجارب السريرية.

وهناك أيضا مشاكل تخص تطوير اللقاحات لمكافحة داء السل المقاوم للأدوية المتعددة، وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن أحد أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على السل بحلول عام 2035، لن يتحقق ما لم يتم تطوير عقاقير جديدة وتشخيص أفضل وتحسين اللقاحات، ومع ذلك فقد ظل اللقاح الجديد مستبعدا لسنوات عديدة، خصوصا أن تمويل بحوث لقاح السل قد تراجع في السنوات الأخيرة. ولم تُستعمل حتى اللقاحات المتوافرة بالفعل على نطاق واسع بما فيه الكفاية لكي يكون لها تأثير كبير على استخدام المضادات الحيوية والمقاومة، ففي كل عام تقوم الالتهابات التي تسببها البكتيريا العقدية الرئوية بقتل أكثر من  800.000 طفل دون سن الخامسة، ويمكن تفادي هذه الوفيات تماما، عن طريق الوخز المتاح فعلا في أجزاء كثيرة من العالم، وكذلك لقاح المكورات الرئوية، ومن شأن التلقيح الشامل أن ينقذ ملايين الأرواح وأن يحول دون استخدام نحو 11.4 مليون مضاد حيوي سنويا بالنسبة إلى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، كما يمكن استخدام لقاح فيروس الروتا لمنع تفشي أمراض الإسهال، وهو السبب الرئيس لوفيات الأطفال في البلدان النامية والمحرك الرئيس لاستخدام المضادات الحيوية. وللقاحات أيضا دور مهم في حماية الثروة الحيوانية والسمكية من الأمراض، وتحسين تطبيق المضادات الحيوية في الزراعة، لأن الإفراط في استخدامها هو أحد أهم أسباب المقاومة المتنامية، ويتطلب تعظيم إمكانات اللقاحات لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات تنفيذ اللقاحات الموجودة في البشر والحيوانات على نطاق أوسع، لكن ذلك سيتطلب تطوير لقاحات جديدة يمكن أن تبدأ على المدى القصير بملياري دولار من صندوق الابتكار العالمي، للبحث في مرحلة مبكرة عن اللقاحات والبدائل الصالحة للمضادات الحيوية.

وفي المناطق التي لا إقبال فيها على البحث والتطوير يجب إعطاء فرصة للمطورين لتحقيق عائدات من منتجات مفيدة، اعتماداً على خصائص منتجات مختلفة، فتشمل التدخلات الممكنة التزامات السوق المسبقة ومكافآت دخول السوق، ويمكن للقاحات أن تؤثر بشكل كبير على مقاومة الأدوية، إذا كانت مدرجة كجزء من سلسلة واسعة من التدخلات لمكافحة هذه المشكلة، ولحسن الحظ بدأ ينمو الوعي بهذا التحدي.

ففي تجمع المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي في دافوس الشهر الماضي التزمت 85 شركة، بمن في ذلك مطورو اللقاح وشركات الأدوية الكبيرة ومطورو التشخيص وشركات التكنولوجيا الحيوية، باتخاذ المزيد من الإجراءات للحد من مقاومة الأدوية، وفي وقت لاحق من هذا العام ستقوم جمعية الصحة العالمية، وقمم مجموعة الـ8 ومجموعة الـ20، والجمعية العامة للأمم المتحدة بمعالجة هذا الموضوع، فالزخم  الموجود الآن في القطاعين العام والخاص يعطي فرصة من الواجب التمسك بها.

* جيم أونيل | Jim O Neill ، الرئيس السابق لبنك غولدمان ساكس لإدارة الأصول، والسكرتير التجاري في وزارة المالية البريطانية، وأستاذ فخري في علم الاقتصاد في جامعة مانشستر، وباحث زائر في مركز أبحاث الاقتصادية بروغل.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top