سنان أنطون

نشر في 17-04-2016
آخر تحديث 17-04-2016 | 00:01
 ناصر الظفيري "أن يكون المثقف منفياً يعني أن يكون حراً مستقلاً في مناقشته ومعالجته للقضايا الإنسانية، في طرح رؤاه الحقيقية للمجتمع، وهو ينظر إليه من بعد، يحلل، ويقارن، وينقد، وينتقد، من دون قيود القرب، ومراعاة صلات القربى السياسية والثقافية والاجتماعية".

تلك كانت الجملة الافتتاحية لمقالة الناقدة الدكتورة سعاد العنزي، في مقال لها عن رواية كاليسكا للكاتب، وبالتأكيد لن أناقش هنا المقالة، لكنني سأخرج هذه العبارة من سياقها الأصلي، إلى موضوع مقالتي عن الكاتب العراقي سنان أنطون، والذي كان محاضراً في جمهور المجموعة الثقافية العربية الكندية، في مدينة تورنتو، عن تجربته الروائية والشعرية والترجمة، التي نقل خلالها تجربة الشعراء محمود درويش وسعدي يوسف وسركون بولص، إلى الإنكليزية.

سنان أنطون، أحد كثيرين اضطروا إلى الخروج من بلادهم لأسباب متعددة، ووجدوا أنفسهم في منفى، إن قسراً أو طواعية، يتعايشون فيه مع الآخر، ويألفون لغته، ويتمكنون من التعبير بهذه اللغة والترجمة منها وإليها. لكنه بقي محافظاً في داخله على وطنه، الذي خاصمه معبراً عن حياة شعبه وتجاربه الحياتية، مخلصاً لشخصياته، وكأنه يكتب للداخل عن قرب شديد، رغم البعدين الزمني والمكاني عن أرض أحداث رواياته. ومنحته الحرية، التي يتمتع بها المنفى عادة، مساحة من الحكي قد لا تتحقق للقريب الذي يراعي، كما ورد في عبارة سعاد العنزي ، صلات القربى السياسية والثقافية والاجتماعية.

كان أمام سنان أنطون طريقان، عليه أن يختار أحدهما: إما الإخلاص لوطنه وشعبه وقضايا أمته والارتباط بها، وإما أن يتحول إلى إعلامي مناهض لهذه الأمة وتقاليدها وأعرافها واستخدام هذه الحرية ليتحول إلى مناوئ لها، يحتفي به الغرب ويمجده ويقدر جهده كصوت إعلامي من الداخل، يثبت ويشرع للغرب أسباب صراعه مع الشرق العربي، والتفنن في إظهار عيوب هذا الشرق، التي تستدعي عداء واعتداء الغرب عليه. لكن سنان أنطون اختار الأولى، رفض أن يكون هذا الصوت المناهض لشعبه، ورفضت أغلب الصحف الأميركية والبريطانية نشر مقالاته، حين لم تجدها تخدم صورتها التي تبحث في إزالة الكثير من الغبش عنها مقابل إصراره على الصورة الحقيقية لهذا الصراع الحضاري والثقافي بين الشرق والغرب. وكان ذلك أيضاً دور المفكر العربي - الأميركي إدوارد سعيد من قبل في قلب اللوبي الصهيوني، الذي عجز عن استمالته لتحقيق هذا الغرض.

سنان أنطون، كما الحال مع سعيد أيضاً، ينتمي إلى الطائفة العربية المسيحية، وربما وجد فيه الغرب صوتاً بالإمكان تطويعه، كما تم تطويع سواه من العرب المسلمين في المنفى، لكن الرجل بقي وطنياً صلباً مؤمناً بأن حرية المنفى، التي تحققت بالهجرة، لا تعني التخلي عن وطنيته وعروبته. وجاءت أعماله صورة لما في ذاته من حب أصيل وحقيقي لوطنه. ذلك لم يكن يعني إخفاء دمامل هذا الوطن، وهو أيضاً ليس المتاجرة بألمه. يكتب سنان بحرية عن شعبه ويختار عائلة مسلمة شيعية ليكون أفرادها أبطالاً لروايته "وحدها شجرة الرمان"، دون أن تدرك أن الروائي من طائفة أخرى.

سنان أنطون في تجربته، التي تستمر رواية وشعراً وترجمة، يضع همه الوطني والقومي فوق منافعه، ليبقى صوتاً أصيلاً ومهماً في حياة المنفى وأنموذجاً للكثيرين من أدبائنا العرب، الذين أجبرتهم الظروف على الخروج من أوطانهم، دون أن تخرج أوطانهم وهمومها منهم.

back to top