د. سيد ضيف الله: صوت الشعب تائه بين الشاعر والرئيس
حصد الناقد الأدبي الدكتور سيد ضيف الله جائزة ساويرس هذا العام في فرع النقد الأدبي عن كتابه «صوت الشعب بين الشاعر والرئيس... فؤاد حداد»، ويؤكّد أن الجائزة بالنسبة إليه تحفيز ومسؤولية، موضحاً أن الجوائز لا تستطيع مواجهة أزمات النقد الأدبي في العالم العربي.
هل تعتبر أن الجوائز المخصصة للكتابات النقدية أعادت الاعتبار إلى «النقد الأدبي»؟
لا أعتقد أن النقد اﻷدبي فاقد للاعتبار كي تعيد إليه الجوائز اعتباره. يعاني النقد اﻷدبي أزمة متعددة اﻷسباب، وهي في جوهرها أزمة مجتمعية تخصّ النظام التعليمي في العالم العربي ومدى قدرته على تعزيز التفكير النقدي، فضلاً عن البنية اﻷساسية اللازمة لعملية تعليمية حقيقية سواء في التعليم اﻷساسي أو في التعليم الجامعي. من هنا، فإن الجوائز لا تستطيع أن تواجه هذه اﻷوضاع، لكنها تعكس وجود رغبة في اﻹصلاح ووعي متفرد لدى بعض المؤسسات المانحة للجوائز.ماذا تضيف الجائزة الأدبية إلى مسيرة صاحبها؟تضيف الجائزة الكثير، فهي في المقام الأول تقدير لعمل سنوات وحصاد لما زرعه الباحث ورعاه طوال عمله. مثلاً، كلمة شكر أو عبارة من قارئ لكتابي تمنحني حافزاً إضافياً لاستئناف العمل في بحث جديد، فما بالك أن تكون هذه الكلمات حيثيات منح جائزة كبيرة في النقد اﻷدبي في مصر، جاءتني باﻹجماع من لجنة تحكيم عالية المستوى بعد منافسة مع أكثر من 40 كتاباً في النقد! الجائزة بالنسبة إلي تحفيز ومسؤولية.كيف ترى النقد الأدبي؟ هل هو عمل إبداعي مكمل، أم أنه إبداع مستقل بذاته، أم أن العلاقة بين الاثنين ما زالت غير واضحة؟النقد اﻷدبي منه ما هو تطبيقي مرتبط بنصوص أدبية محددة، وبالتالي هو كتابة على كتابة وليست مستقلة عنها. لكنها في الوقت نفسه كتابة مختلفة عن الكتابة اﻷدبية، ﻷنها ليست مجرد كتابة شارحة، أو ملخصة، أو مروجة للنصوص اﻷدبية، إنما من المفترض أن تكون كتابة ذات ناقدة تملك أدوات تحليل ونقد تتسق مع رؤيتها للعالم، ومن الطبيعي ألا تتطابق في كل مرة رؤى الناقد والأديب مع كل تجربة نقدية.ما الشعب الذي قصدته في عنوان كتابك {صورة الشعب بين الشاعر والرئيس}؟هو الشعب المتخيل. في دراستي لخطابات رؤساء مصر (ناصر، السادات، مبارك) وخطاب الشاعر الحقيقي فؤاد حداد، وجدت أن لكل خطاب استعاراته التي يبني بها تمثيلات الشعب المتخيل في ذهن صاحبه، وبالتالي يمكنني القول إن الشعب صناعة ذهنية وبلاغية، وليس أدلّ على ذلك بحسب ما بينت في كتابي من تغير تمثيلات الشعب المصري المتخيل بتغير الرؤساء وأيديولوجياتهم ومصالحهم، لا سيما عند المقارنة بتمثيلات الشعب المصري نفسه لدى شاعر واحد عاصر هذه اﻷيديولوجيات كافة وتفاعل معها شعرياً هو فؤاد حداد.من واقع دراستك، كيف يتم تشكيل هوية الشعوب الثقافية؟يتمّ تشكيل هويات الشعوب الثقافية عن طريق اللغة، فالمنتجات اللغوية الشفوية والمكتوبة تسعى بشكل أو بآخر نحو اﻹسهام في تشكيل الهوية للأمة على الشكل الذي يتفق ومصالح المنتجين وتصوراتهم للهوية المتخيلة لهذه اﻷمة، ولا يوجد تصوّر حقيقي وتصوّر غير حقيقي للهوية الثقافية، إنما ثمة تصوّر تعمل أجهزة صناعة العقول (تعليم، إعلام، ثقافة) على تسييده وإضفاء مشروعية عليه، مما يكسبه مسحة من القداسة مع مرور الزمن.فؤاد حداد وتجربة النقدهذه أول دراسة نقدية عن الشاعر الكبير فؤاد حداد. هل ترى أن النقد مُقصر في حق أدبائنا الكبار؟ ثمة أدباء كثيرون جديرون بالدراسة النقدية الرصينة، لكن لم يلتفت أحد إلى أعمالهم سواء في الرسائل العلمية أو في الدراسات الحرة. في المقابل، ثمة هيمنة لحضور أسماء أخرى على الدراسات النقدية بشكل متكرر، ما يعكس حقيقة واضحة هي أن القيمة الفنية للأعمال اﻷدبية ليست المعيار اﻷساسي في اختيار اﻷعمال اﻷدبية لتكون موضوعاً للدراسات النقدية اﻷكاديمية وغير اﻷكاديمية.كيف تقيّم تجربة النقد في مصر في ظل حديث لا ينقطع عن {الشللية}؟الشللية ظاهرة قديمة موجودة وواضحة في المشهد النقدي لأنها تجسيد لأوضاع مجتمعية وثقافية، لكن ثمة أسباباً أخرى من بينها الفجوة الموجودة بين الجامعات العربية والمشهد اﻷدبي خارج أسوار الجامعات.هل يضيف الوسط الأكاديمي المصري إلى عمل الناقد، أم يسيء إليه ويضعف قدراته النقدية؟من المفترض أن الدراسة النقدية تزداد ثراء في الوسط النقدي، لكن ذلك غير متحقق في اﻷكاديميات العربية بسبب مشاكل كثيرة تعوق عمل اﻷكاديميين عن العمل البحثي رغم أن البحث جوهر عملهم، فاﻷكاديميون النقاد الجادون مستنزفون في أعمال إدارية وتعليمية ومقيدون بأوضاع اجتماعية واقتصادية وثقافية لا تمكنهم من تحقيق الحد اﻷدني من طموحاتهم البحثية في غالب اﻷحوال.البنيوية... وقصيدة النثركيف قرأت البنيوية مثلاً كمدرسة نقدية أجنبية. وهل يمكن أن تفيد في فهم نصوص عربية؟البنيوية إنجاز إنساني تماماً كما غيرها من النظريات النقدية، وليس كما يتوهّم كثيرون بأنها إنجاز غربي. ليست المشكلة في جنسية منظر من منظري النقد أو في جنسية أديب، إنما المشكلة في الفجوة المعرفية بين العالم العربي وبين حركة التنظير والدرس النقدي واﻷدبي في العالم، وهي فجوة تظهر أثارها عند تطبيق مقولات هذه النظريات على نصوص عربية حيث ينكشف عدم استيعاب النظرية أحياناً، ومن هنا يكون الناقد التابع أكثر عنفاً مع النص اﻷدبي لإخضاعه لتصوراته عن هذه النظرية أو تلك.أين تجربة نقد قصيدة النثر بين أبناء جيلك من النقاد؟مشكلة نقد قصيدة النثر أنه ما زال أسير الرغبة في الدفاع عن مشروعية قصيدة النثر في الوجود رغم أنها تجاوزت بحضورها المتزايد في المشهد اﻷدبي هذه المرحلة، من ثم يلزم على النقاد المنشغلين بقصيدة النثر الانتقال إلى مرحلة أخرى حيث الحاجة ماسة إلى دراسات نقدية تعالج قصيدة النثر نقدياً بما يكشف عن جمالياتها، ويساهم في فرز الجميل من غيره.هل حظي شعر العامية المصرية الجديد، ما بعد فؤاد حداد، بقراءة نقدية حقيقية؟لا يزال شعر العامية في مصر قبل فؤاد حداد وبعده بحاجة إلى دراسات نقدية رصينة، بل لا يزال شعر اللهجات العربية يتطلب مزيداً من اهتمام النقد. لكن المهم تجاوز مرحلة الدفاع والهجوم على أساس أيديولوجي لغوي.