وثيقة الإصلاح المالي... غطاء لتمرير رفع الدعوم!

نشر في 17-03-2016 | 00:05
آخر تحديث 17-03-2016 | 00:05
No Image Caption
• تحتوي على 10 اختلالات أساسية تجعلها محدودة القيمة وضعيفة الأثر

• مكررة وبلا آليات قياس ولا تراعي التضخم ولا تستقطب استثمارات أجنبية
وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي لا يمكن أن تكون حلاً اقتصادياً إذا لم ترتكز على الإدارة الجيدة والعدالة في التطبيق والمتابعة الفصلية والسنوية للنتائج المراد تحقيقها.

اعتمد مجلس الوزراء هذا الأسبوع وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي التي ركزت على خصخصة المشاريع المملوكة للدولة مثل المطارات والموانئ وبعض مرافق مؤسسة البترول، اعتبرها مفتاحا لحل جانب كبير من اختلالات الاقتصاد الكويتي.

إلا أن الاطلاع على الوثيقة وتحليلها يكشفان مجموعة من الاختلالات الأساسية في توجهاتها وآلياتها التنفيذية، فضلا عن طغيان الحلول غير الممكن تطبيقها، فضلا عن اهتمامها الأساسي بجوهر فكرة إعدادها، وهو تقليص الدعوم وإن جاء بغلاف مشروع إصلاح اقتصادي.

ويرصد التقرير 10 اختلالات أساسية في الوثيقة يمكن أن تجعلها محدودة القيمة مثلها مثل أي خطة إصلاح اقتصادي سابقة تبنتها الحكومة، وهي كالتالي:

1 - بلا برنامج زمني

خلت الوثيقة، رغم تشعبها، من أي برنامج زمني للتنفيذ، مع أن الخطط الاستراتيجية الكبرى من هذا النوع تستوجب إفصاحات فصلية وسنوية لبيان مدة الإنجاز، ومدى اتساق التنفيذ مع الأهداف المحددة، لذلك كان من الأفضل أن تتحدد الخطط والمشاريع قصيرة ومتوسطة الأجل الواردة في الوثيقة بجداول زمنية إلزامية، كي يقيم الرأي العام مدى فعالية الجهاز التنفيذي في التطبيق من بداية التنفيذ الى نهايته، ولا يتم الاكتفاء بتحديد مواعيد لبعض التشريعات المطلوبة، فثمة فرق كبير بين بيان خطط الإنجاز

وتحديد المواعيد النهائية.

2 - مبالغة في الرهان

بالغت الوثيقة في الرهان على الخصخصة في قطاعات أساسية تصل الى القطاع النفطي، وأخضعت أجهزة خدمية اساسية لخطط التخصيص بما فيها التعليم والصحة، مع أن الجهاز التنفيذي للدولة ليس لديه أصلا تجربة في خصخصة حتى قطاعات صغيرة ومتوسطة كالبريد أو الاندية الرياضية او المشروعات السياحية، فضلا عن التلكؤ في تخصيص الخطوط الكويتية، رغم سابق إعادة هيكلتها المالية والإدارية، ولعله لا توجد دولة في العالم تقدم على طرح خدماتها بهذا الشكل الجماعي للخصخصة، لما فيه من اختلالات تصيب سوق العمل وتمتد آثاره على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

3 - تكرار السابق

كررت الوثيقة في عدد من أهدافها ومشاريعها العديد مما ورد في خطط حكومية سابقة لم يكتب لها النجاح او التنفيذ كخطتي التنمية الأولى والثانية، الى جانب تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية (2011) وتقارير المجلس الأعلى للتخطيط، بل وحتى تقارير لجنة إصلاح المسار الاقتصادي مطلع القرن الحالي، وربما كان من الأجدى قبل اطلاق أي وثيقة جديدة معرفة أسباب عدم تنفيذ الخطط والتوصيات السابقة التي لا تختلف في الروح والمضمون عن الوثيقة الجديدة.

4 - أين فرص العمل؟

اللافت أن الوثيقة التي أسهبت في أكثر من محور في الحديث عن معالجات سوق العمل وتخفيف آثاره الضاغطة على الميزانية العامة للدولة لم تبين عدد الوظائف المراد خلقها في خطة الإصلاح الاقتصادي، مع العلم أن التوقعات الحكومية تشير إلى تصاعد قوي في الطلب على العمل في الكويت يصل الى نحو 74 ألف طلب سنويا بحلول عام 2030، مما ينمي الانطباع بأن الخطة أن الوثيقة تجاوزت وضع أرقام من شأنها أن تحرج الجهاز التنفيذي إن لم تلبّ.

5 - كلفة التضخم

 لم تبين الوثيقة النمو المتوقع لمستوى التضخم في الكويت مع رفع أسعار السلع والخدمات المستهدفة كالمحروقات والكهرباء والماء وآثارها على العديد من مناحي الحياة غير المباشرة كالإيجارات والأغذية وغيرهما، إذ تشير بيانات الإدارة المركزية للإحصاء الى نمو التضخم في الكويت بمعدل 3.25 في المئة خلال يناير الماضي، مقارنة بالشهر ذاته من السنة الماضية وبـ 0.14 مقارنة بالمستويات المسجلة في شهر ديسمبر 2015، وأن أكبر ارتفاع على أساس سنوي نال مجموعتي "الأغذية والمشروبات" بنمو 5.1 في المئة، و"خدمات المسكن" بنسبة 5.95 في المئة، مما يشير الى احتمالات نمو لافت في التضخم، مع إعادة تسعير الخدمات والسلع المقدمة من الدولة.

6 - تجاوز العدالة

لم تراع الوثيقة مسألة العدالة في تحميل قوى المجتمع آثار العجز في الميزانية وحصص تمويلها، فهي أفاضت في اعداد وتسريع الخطوات الخاصة بترشيد الدعوم، في حين أرجأت موعد تطبيق ضريبة الأعمال على ارباح الشركات بواقع 10 في المئة لما بعد عامين من إقرار القانون، ومن دون أن تسمي موعدا لإقرار القانون... وهو أمر يزيد من شكوك الرأي العام في عدالة وحيادية الوثيقة في تعاملها مع مصادر التمويل المفترضة.

7 - الاستثمارات الأجنبية

مرت الوثيقة سريعا من دون أي تفصيل على مسألة يفرض أنها أساسية في دعم الاقتصاد الوطني، وهي "استقطاب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية"، رغم أن الكويت تحتاج إلى هذا النوع من الاستثمارات لما تمتلكه من خبرة وتكنولوجيا قبل الأموال، واكتفت بالقول إن الكويت استقطبت في عام 2015  استثمارات بـ 403 ملايين دينار و- هي بالأصل نسبة ضئيلة خليجيا - ووفر 209 فرص عمل فقط دون أن تتطرق لآليات تنفيذية بعكس مشروعات الخصخصة، أو رفع الدعوم أو خفض النفقات العامة التي نالها جزء مهم من جانب الخطة.

8 - دمج و فصل

بينما كانت الحكومة تعد الوثيقة التي تشدد على وقف إنشاء هيئات حكومية جديدة وضرورة دمج بعضها لتقليص المصروفات، قامت الحكومة على النقيض من توجهها بشطر الهيئة العامة للشباب والرياضة الى هيئتين واحدة للشباب وأخرى للرياضة، إلى جانب إعلان وزراء عن توجهاتهم لإنشاء هيئة للسياحة وأخرى للكوارث، مما يشير الى تناقض السياسات الحكومية ما بين المرسوم في الخطط والمنفذ فعليا.

9 - الهدر المالي

من التحديات التي تواجه وثيقة الإصلاح المالي وتحتاج إلى جهد مضاعف في أكبر من عمليات الجباية المالية أو تعقيدات الخصخصة أو حتى رفع الدعوم هو ما يرتبط بالهدر المالي، إذ يصعب اقناع الرأي العام بالإجراءات الجديدة غير المسبوقة التي من المؤكد أنها ستمس معيشتهم بوجود هدر في ما يتم دفعه للدولة من نفقات، خصوصا أن السوابق الحكومية في ملف متابعة ملاحظات ديوان المحاسبة ووقف الهدر لا تتعدى في وزارات عديدة مجرد تشكيل لجان للوقوف على الملاحظات مع إمكان تكرارها مستقبلا!

10 - القيادات نفسها

يبدو واضحا أن القيادات التي ستطبق الوثيقة في الجهاز التنفيذي في الدولة وفي مجلس الوزراء هي نفسها التي فشلت في تنفيذ خطة التنمية الأولى وبنفس العقلية السابقة التي تتعامل منذ نحو 13 عاما مع خطوة التحول مركزا تجاريا وماليا، الأمر الذي يكبح أي تفاؤل يمكن أن ينشأ من وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي او محاولات تسويقها.

الخلاصة... تعثر في الملفات

الخلاصة أن الوثيقة تنطلق من مبدأ غير مفهوم، وهو أن الحكومة هي السلطة الكاملة والناجحة والقادرة على إيجاد حلول لاختلالات الاقتصاد الكويتي، وأن العلة خارج نطاق مسؤوليتها، مع أن الإدارة التي تنوي تطبيق الوثيقة تتعثر في ملفات أصغر، أبسطها "حراج" مخصصات العلاج بالخارج، وأكبرها تضييع سنوات الفوائض والرخاء المالي بلا إنجاز يقي الاقتصاد من مخاطر انخفاض أسعار النفط.

back to top