مرحباً بالنور القادم
أكثر ما يبهجني في الصباح أن تحمل لي الجريدة خبراً عن افتتاح مركز أو تأسيس مشروع فني ثقافي في الكويت، ودائماً أتابع هذه الأخبار وأبحث عنها وعن مدى جديتها وسيرها في تنفيذ المشروع، وكأنني مراقبة أو مشرفة عليه، وكانت هذه حالي في حراسة ومراقبة الوضع أيام الغزو العراقي، لذا سميت كتابي السيرة باسم "حارسة المقبرة الوحيدة"، حيث كنت بالفعل أشعر بأني بت وحدي حارسة لمقبرة ليس من حولها أحد، شعور المتابعة والحراسة هذا جزء من تركيبتي لا يتخلى عني، ولا أنا قادرة على التخلي عنه، لأنه بالفعل أمر متعب حين تكون الفوضى سيدة الواقع كله، ولا يمكن متابعتها على الدوام.لكن متابعة الأمور الحقيقية الجادة تحمل بهجة وسعادة وأملاً بالغد، ومن هذه المباهج التي أتابعها الآن المشاريع الثقافية النشطة في الكويت التي ستعيد - بإذن الله - الريادة والتفوق مرة أخرى إليها، فإلى جانب المراكز التي افتُتحت في عام 2015، وهما مركزا الأمريكاني واليرموك الثقافيان اللذان شكلا إضافة وامتداداً رائعاً لدار الآثار الإسلامية وبقية المقار الثقافية الأخرى المتمثلة في قاعة العدواني، والمدرسة القبلية، ومتحف الفن الحديث، والمتحف الوطني، ونادي السينما، ومجموعة المسارح، وآخرها مسرح عبدالحسين عبدالرضا الذي افتتح في شهر أكتوبر الماضي، تهل علينا 6 مشاريع تابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، حيث أعلن عنها مستشار الأمين العام د. وليد السيف، وقال إن قيمتها الإجمالية تبلغ 170 مليون دينار ستنفق على المشاريع الـ 6، وهي مركز الأحمدي الثقافي، ومركز صباح الأحمد الثقافي، ومركز الجهراء الثقافي، ومركز مبارك الكبير الثقافي، إضافة إلى توسعة متحف الكويت الوطني.
ويلاحظ على هذه المشاريع توسعها وامتدادها لتشمل المناطق الخارجية البعيدة عن المناطق الداخلية، التي يتكون أغلب سكانها مثل الجهراء من القبائل، حيث ستقرب لهم المراكز الثقافية، مما سيساعد في نشر الوعي الفني الثقافي الأدبي ويسهل نموه المعرفي.وأهم ما ذكره د. وليد السيف إعلان افتتاح مركز جابر الأحمد الثقافي خلال هذا العام، وهو بحق قيمة ومفخرة وإنجاز باهر بمعنى الكلمة، ففيه تقع دار الأوبرا الكويتية وعدة مسارح ومكتبة وقاعات للحفلات الموسيقية وقاعات للمؤتمرات والمعارض ومركز للوثائق التاريخية. ومركز عبدالله السالم، سيضم متاحف للتاريخ الطبيعي وعلوم الفضاء ومتحف إسلامي ومركز للفنون الجميلة وقاعة مؤتمرات ومبنى للوثائق ومعارض للتكنولوجيا والمؤتمرات.هذه المشاريع تجعلني أطير من الفرح، لأن الفن والثقافة والآداب هي مفاتيح لحل معظم المشاكل التعصبية والعنصرية والدغمائية والانحرافية في المجتمعات، شعب مثقف يصعب غزوه بالأفكار الهدامة، شعب مثقف يعرف ويدرك مصالحه، شعب مثقف لا تخاف عليه، فهو بعيد عن التطرف والتعصب والإرهاب، فالشعب المثقف مدركاً حقوقه ومحترماً حقوق غيره ومرحباً بالاختلاف.فقط أتمنى أن تربط مناهج المدارس مع هذه المراكز الثقافية كأن يكون مثلاً هناك مواضيع لمادة الإنشاء تدور حول أنشطة هذه المراكز، بحيث تحث الطلاب للذهاب والبحث والفهم والمعرفة بشكل تعليمي مرتبط بها، ومتعاون مع مناهجها، كما أتمنى أن تكون هناك زيارات مدرسية مكثفة ودائمة لهذه المتاحف والمراكز حتى تزيد من وعي التلاميذ، وتحبب إليهم العالم الثقافي بمجمله.هذا الربط يجب أن يكون ضمن خطة تعليمية تثقيفية استشرافية لمستقبل الأجيال والمواطنين للسنوات القادمة بالشكل الذي نحلم أن يكون عليه شعب الكويت وأهلها الذين يستحقون كل ما تقدمه الدولة لهم من خدمات تثقيفية تعليمية.ويجب أن تكون هناك برامج تثقيفية لكل الأعمار دون استثناء للمواطنين والمقيمين في الكويت، وأن تشمل الخطة الأطفال من عمر 18 شهراً وحتى 3 سنوات مثل البرامج التي تقدمها دار الآثار الإسلامية ومركز اليرموك والأمريكاني بهذه الخطة الذكية التي أعدتها الشيخة حصة صباح السالم، يجب أن يتم تطبيقها في كل المراكز الثقافية، بما فيها مراكز المناطق الخارجية، فهي الأولى والأهم بتطبيق هذا النظام التعليمي الذي يشكل عقلية المواطن المتحضر الصالح للمستقبل القادم في الكويت التي تتوسع وتتحضر لمستقبل واعد.