تؤدي السينما دوراً كبيراً في حياة الشعوب، ليس فقط على صعيد تبادل الثقافات، وتهذيب النفوس، والسمو بالإنسان، بعد إكسابه القدرة على تذوق الجمال، وإنما تكمن أهميتها في القفز على الحدود، وتقريب المسافات، وتخطي حاجز اللغة والدين، وهو دور يكتمل بتدشين المهرجانات، وتوسيع رقعتها في الدول التي تدعو إليها بحيث تصل، كالدعم في الدول النامية، إلى مستحقيها، وهي أزمة تواجه المهرجانات السينمائية في مصر، وتحول دون اكتمال رسالتها، نظراً إلى عجزها عن التغلغل في المجتمعات التي تستضيفها، والانفصال الواضح بين فعالياتها ورجل الشارع!

Ad

بدوره يسعى «مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية» إلى حل هذه المعضلة في ظل ظروف خانقة، على رأسها عدم وجود صالات عرض في المحافظة، وضآلة الدعم المادي، وتراجعه من دورة إلى أخرى، فضلاً عن تباطؤ الوزارات وأجهزة الدولة، في تأمينه قبل انطلاق الدورة بوقت كاف، الأمر الذي كان سبباً في إعلان السيناريست سيد فؤاد، رئيس المهرجان، قبل دورة 2013، الاعتصام، بمقر وزارة السياحة، بسبب أزمة قال إن الوزارة قد اختلقتها، تتعلق باستقدام ضيوف المهرجان!

صحيح أن الدورات التالية شهدت نوعاً من المصالحة بين المهرجان والوزارات المعنية، كالثقافة والسياحة، بدليل البيان الصحافي الذي صدر عن إدارة المهرجان، قبل أيام من بدء أعمال الدورة الخامسة (17 - 23 مارس 2016)، وأكد انتهاء مشكلة حجز تذاكر الطيران للضيوف الأفارقة، لكن البيان يكشف أن التوصل إلى حل ناجع جاء بعد مباحثات ومفاوضات، كالتي تجري في أروقة الأمم المتحدة لحل الأزمات المستعصية في البؤر المشتعلة من العالم، بل إن بعضها شهد وساطات وضغوطات شارك فيها نواب في البرلمان؛ مثل الكاتب والأديب الكبير يوسف القعيد والمخرج خالد يوسف، اللذين التقيا د. هشام زعزوع وزير السياحة، وبعد الجلسة المغلقة تقرر إعادة تقديم الدعم الذي رصدته وزارة السياحة في السنوات الماضية، والخاص بالإقامة والطيران!

اللافت في هذا الصدد أن وزارة السياحة التي تُنفق ملايين الدولارات على ما تسميه «وضع البرامج والخطط المستقبلية لإعادة السياحة، ودعم المهرجانات التي تفيد السياحة وتعمل على الترويج لمصر»، وتتهافت على إقناع عدد من الفنانين العالميين، من بينهم المغنية الشهيرة سيلين ديون، بالموافقة على زيارة مصر، وإحياء حفلات عدة في المناطق الأثرية والسياحية، تجاهلت الاهتمام بموافقة النجم العالمي داني غلوفر على المشاركة في عضوية لجنة تحكيم مسابقة «أفلام الحريات وحقوق الإنسان»، التي تُقام على هامش الدورة الخامسة لـ «مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية»، ولم تبرز خبر توقفه عن الاستمرار في تمثيل مشاهد فيلمه الجديد، الذي يصوره في بلغاريا، لأجل الحضور إلى الأقصر، بل لم تضع زيارته على أجندة التسويق الإعلامي لمصر، بكل ما تمثله الزيارة، والمهرجان نفسه، من مردود دعائي عالمي، في وقت اهتم الموقع الإلكتروني الرسمي لهيئة تنشيط السياحة بالإشارة إلى أن شهر مارس يشهد إطلاق إعلان «القاهرة السياحي» خلال مؤتمر «التخطيط من أجل النمو- السياحة المصرية 2016»، وتنظيم معسكر وزيارة خيرية لنجوم دوري كرة القدم الأميركية في مصر!

«مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية»، ومن قبله «مهرجان الأقصر للسينما العربية والأوروبية»، لن ينجحا في كسب ثقة المواطن الأقصري، واستعادة تعاطيه مع فن السينما الذي لا يعرفه، ما لم يتم البدء في بناء صالات العرض السينمائي، ويعود النشاط السينمائي إلى قصر الثقافة، وتهتم وزارات وأجهزة الدولة بتقديم الدعم اللازم لهما، وتتم إزالة العقبات البيروقراطية التي تقف في طريقهما، فالسينما لم تعد ذلك الفن الذي يحقق رسالة التسلية والترفية فحسب، بل تكتمل رسالتها بوضع «استراتيجية» متكاملة تضع على رأس أولوياتها: بعث الأمل في النفوس، خلق حس جمعي قادر على التفاعل مع قضايا الواقع، التجاوب مع متغيراته، تمهيداً للوصول إلى مجتمع متوازن قادر على التمييز بين القبح والجمال، مجابهة الشرور، فضح الأفكار الدخيلة، التي تجد في الجهل تربة خصبة، وما أحوجنا إلى «استراتيجية» كهذه يبدأ تنفيذها في محافظات الصعيد، التي تُعد الأكثر فقراً وبطالة، وتعاني تراجعاً على مستوى الخدمات كافة، انعكس سلباً على دخل الفرد ومستواه المعيشي، والغياب الملحوظ للثقافة، ما كان سبباً في تأجيج مناخ الكراهية وتنامي مشاعر السخط والغضب، وأفقد المواطن هويته وانتماءه، وأكبر الظن أن المهرجانات الفنية، والسينمائية، على وجه التحديد، هي السبيل الوحيد لتحقيق هذه «الاستراتيجية».

«مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية»، الذي تقيمه مؤسسة شباب الفنانين المستقلين، نجح في تحسين العلاقات بين مصر ودول القارة السمراء، وفتح نافذة مهمة للفيلم الإفريقي في مصر، لكن ما زال أمامه الكثير لإقناع الدولة بأهمية الدور الذي يؤديه،  وتوطيد علاقة المواطن في جنوب مصر بالسينما، ولحظة أن ينجح في مهمته هذه يكون قد أتم بناء حائط الصد ضد التطرف!