المفترض، بل المطلوب، أن تتجه أنظار العرب كلهم إلى العراق، فهناك الآن في بلاد الرافدين تطورات فعلية قد تكون واعدة، ويجب مساندتها وتشجيعها، أو تكون مُدمرة ويجب التصدي لها، فـ "الانتفاضة" التي أطلق شرارتها السيد مقتدى الصدر، بعد فترة مخاض طويلة، هي أول تصدٍّ فعليٍ لتراكمات ترتبت على ما كان فعله المندوب السامي الأميركي بول بريمر عندما ألغى الدولة العراقية و"فكك" مؤسساتها و"حلَّ" جيشها وأجهزتها الأمنية ومزقها شر ممزق.
والمؤكد أن هذه الانتفاضة، إن لم يتكالب عليها المتضررون ويجهضوها ويسدوا عليها كل الطرق، ستُنهي وضعاً بقي قائماً على ما يمكن اعتباره طائفية سياسية منذ احتلال الأميركيين للعراق عام 2003، حولت هذا البلد إلى إقطاعيات مذهبية ينخرها الفساد. وكان أسوأ تجلياتها، أنها أنتجت تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي بالإمكان القول إنه صناعة إيرانية شارك فيها نظام بشار الأسد بتواطؤ من روسيا الاتحادية.كان العراق قد وصل إلى آخر مراحل الانهيار عندما بدأ السيد مقتدى الصدر انتفاضته هذه، فحكومة حيدر العبادي أثبتت فشلها في كل المجالات والجيش، رغم تحقيق العديد من الإنجازات في المواجهات مع "داعش"، إلا أنه بقي يصطدم بالحالة العامة السائدة وبالمحاصصات الطائفية وبالتشكيلات العسكرية التابعة للولي الفقيه وحُراس الثورة في طهران، وبالتدخل الإيراني في كل كبيرة وصغيرة، في بلد أصبح عبارة عن لوحة من فسيفساء مذهبية كل قطعة منها تسعى إلى إلغاء الأخرى.ربما حتى معظم العراقيين لا يعرفون مدى ما قاساه وعاناه مقتدى الصدر خلال الأعوام الأخيرة من الهيمنة الإيرانية على العراق، ومن أتباع إيران في بلاد الرافدين، ممثلين بالائتلاف الذي كان يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وأيضاً بالعبادي والجعفري و"ميليشيا الحشد"، التي يقودها هادي العامري، بإشراف حُراس الثورة وقاسم سليماني.والآن، بعدما تطورت الأمور وعلى هذا النحو، فإن المؤكد أن السيد الصدر المُستهدف من ولاية الفقيه ومن حُراس الثورة ومن الدولة الإيرانية كدولة، سيواجه صعوبات كثيرة وخطيرة، وقد يتم إجهاض انتفاضته، إن لم يكن هناك التفاف حوله من قِبل كل المتضررين من الهيمنة الإيرانية، وإن لم تكن هناك مساندة له من قِبل الدول العربية المعنية بالتصدي لتمدد إيران في هذه المنطقة.يجب ألا يترك مقتدى الصدر يواجه إيران وجيوشها وحُراس ثورتها وأتباعها الغارقين في الفساد والإفساد حتى أعناقهم... ويقيناً على ضوء هذه الانتفاضة سيتقرر مصير العراق، سواء للأفضل أو للأسوأ، لذلك فإنه على "الأشقاء" الأكراد ألا يقفوا متفرجين على ما يجري، وخاصة أن أول استهداف من قِبل نوري المالكي وكل أتباع إيران كان لهم وللزعيم الكردي مسعود البارزاني، الذي يتميز بموقف وطني معروف والذي بتاريخه النضالي الطويل يعرف حقيقة ذلك المثل القائل: "أُكلْتُ يوم أُكلَ الثورُ الأبيضُ".
أخر كلام
انتفاضة الصدر... والمطلوب عربياً!
09-03-2016