السادات يزيل القطاع العام... في السينما
شهد عام 1937 مشكلة سينمائية مصرية- إيرانية! فقد تم منع عرض فيلم «ليلى بنت الصحراء» على إثر زواج شاه إيران من الأميرة فوزية شقيقة ملك مصر، ورأت الخارجية الإيرانية أن الفيلم يسيء إلى العرش الإيراني، لأنه يتناول قصة فتاة عربية في الصحراء يحاول كسرى أنو شروان، إمبراطور بلاد فارس، اغتصابها فتقاوم رغباته الدنيئة، وقامت الحكومة المصرية بدفع تعويض مالي للسيدة «بهيجة حافظ»، مخرجة الفيلم، بسبب خسائرها الناجمة عن منع الفيلم.وشهد عام 1939 بروز ثلاثة مخرجين، أحمد سالم وحسين فوزي وأحمد كامل، والملاحظ يقول «أبو شادي» أن كلا من المخرجين هؤلاء قام بتأليف فيلمه وكتب له القصة والسيناريو والحوار، كما شهد هذا العام كذلك عرض فيلم «العزيمة»، أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية، وهو يكتسب أهمية من كونه أول فيلم واقعي يصور الحياة اليومية في حارة قاهرية فقيرة، من خلال مجموعة من الشخصيات والنماذج الشعبية ومن خلال مشكلة اجتماعية (البطالة)، كانت تؤرق المجتمع المصري في نهاية الثلاثينيات.
وقد اهتم المؤرخ السينمائي المعروف جورج سادول بهذا الفيلم الذي يقول عنه: «كان (العزيمة) حدثا خطيرا في السينما المصرية التي كانت تهيمن عليها الأفلام الغنائية والمسليات السمجة والمغامرات الغريبة الوهمية والميلودرامات الميكية». نسبة إلى ميكي ماوس؟!ويضيف أن من أسباب بروز هذا الفيلم كذلك أنه «أظهر الواقع اليومي والحياة الشعبية بصدق وشاعرية»، وشهد هذا العام بداية حركة تعريب الأفلام الأجنبية، وجعل أبطالها ينطقون ويتحاورون باللهجة المصرية، وهو ما أطلق عليه اسم «دبلجة الأفلام»، وفي العام التالي، 1940، أنشأ أنيس عبيد في حدائق القبة معملا لترجمة وطبع العناوين على الأفلام بكل اللغات، وكان أول ظهور للترجمة العربية لعناوين وحوارات الأفلام الأجنبية قد ظهر عام 1912، وكانت تتم على ألواح الزجاج التي يظهرها الفانوس السحري على شاشة صغيرة بجوار الشاشة الأصلية، وهو من اختراع المسيو ليوبولد فيوريللو الإيطالي المقيم في مصر.وعرضت الشاشة في العام التالي، 1941، فيلم «انتصار الشباب»، من إخراج أحمد بدرخان، و»هو أول فيلم للمطرب فريد الأطرش وشقيقته أسمهان، وهو أحد أهم الأفلام الغنائية في تاريخ السينما المصرية».كما عرض فيلم كوميدي استعراضي غنائي راقص من إخراج نيازي مصطفى هو «مصنع الزوجات»، وقد اختفى «نيغاتيف» الفيلم، ولا توجد أي نسخ «بوزيتيف» منه رغم أهميته.ويلاحظ مؤرخو السينما تزايد الأفلام العربية بعد الحرب العالمية الثانية، إذ كان عدد الأفلام المصرية المنتجة عام 1944 ستة عشر فيلما، ثم ارتفع العدد إلى 67 فيلما عام 1946.ولعام 1943 أهمية تنظيمية في حياة السينمائيين المصريين، فقد تشكلت لجنة السينمائيين المصريين لبحث مشكلات هذه الصناعة، حيث تطورت اللجنة لاحقا إلى تأسيس غرفة صناعة السينما عام 1947، كما تم إنشاء أول ناد للسينمائيين، وتأسست كذلك نقابة ممثلي المسرح والسينما بالقاهرة، وانتخبت جورج أبيض أول نقيب لها، كما انتخب نجيب الريحاني وكيلا أول وحسين رياض وكيلا ثانياً.توفيت المطربة «اسمهان» غرقا في يوليو 1944، قبل أن تنتهي من تصوير المشاهد الأخيرة من فيلم «غرام وانتقام» تأليف وإخراج وتمثيل يوسف وهبي، وقد لاقى الفيلم نجاحا كبيراً واستمر عرضه 17 أسبوعا، وهي أول مرة يستمر خلالها عرض فيلم هذه المدة، وتمت إعادة إنشاء المعهد العالي للتمثيل على المستوى الجامعي، وتعيين الأستاذ زكي طليمات مديرا له.عُرض عام 1947 فيلم «فاطمة»، آخر أفلام السيدة أم كلثوم على الشاشة، حيث اعتزلت التمثيل وقد جرت في هذه السنة محاولة لإنتاج فيلم مشترك بين مصر والعراق واسمه «القاهرة- بغداد»، وفي عام 1949 قام المخرج المصري أحمد كامل مرسي بإخراج الفيلم العراقي «ليلى في العراق»، وفي العام نفسه توفي الفنان الكبير نجيب الريحاني، وقد بلغ عدد دور العرض السينمائي 244 دارا هذا العام. بلغ عدد الأفلام المعروضة خلال عام الثورة المصرية 1952 ما مجموعه 59 فيلما، وقد صرحت الرقابة بعرض الفيلم الوطني «مصطفى كامل» الذي منعته رقابة الحكم الملكي، وكذلك فيلم حسين صدقي «يسقط الاستعمار».وصدر عام 1956 قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 373 بشأن تنظيم عرض الأفلام المصرية، وحدد القانون الأفلام المصرية بأنها هي «الأفلام الناطقة باللغة العربية والمنتجة برأسمال مصري أو التي ساهم في إنتاجها رأسمال مصري بنسبة لا تقل عن 50%».تم تأميم صناعة السينما في مصر خلال الستينيات، حيث أنشئت المؤسسة العامة للسينما، مما أدى إلى انخفاض عدد الأفلام من ستين فيلما إلى أربعين في السنة، كما انخفض كذلك عدد دور السينما.وتقول موسوعة الويكيبيديا إنه «يمكن تقسيم الأفلام المصرية التي عرضت في الستينيات إلى ثلاثة أقسام:1 - أفلام تتناول موضوع الفقر وإعلاء قيمة العمل والإشادة بالمجتمع الاشتراكي مثل فيلم «اللص والكلاب».2 - أفلام دانت النماذج الانتهازية والأمراض الاجتماعية كالرشوة والفساد وجرائم السرقة مثل «ميرامار».3 - أفلام تناولت قضايا مشاركة الشعب السياسية، ودانت السلبية، كما عالجت موضوعات الديمقراطية والارتباط بالأرض والمقاومة مثل فيلم «جفت الأمطار».وفي عام 1977 تم عرض آخر أفلام القطاع العام وهو فيلم «التلاقي»، وهي السنة نفسها التي توفي فيها الممثل عبدالحليم حافظ، مطرب الثورة عن 48 عاما.وكان الرئيس عبدالناصر قد توفي عام 1970، وأصدر الرئيس السادات القرار الجمهوري رقم 511 لسنة 1970، «بإعادة تنظيم المؤسسة المصرية العامة للسينما. وفي العام التالي تقرر تصفية القطاع العام في مجال السينما، وتوقف الإنتاج منذ ذلك التاريخ.وهكذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ السينما المصرية بعد أن طوت أكثر من سبعة عقود من تاريخها الحافل بالجهود والمحاولات، والأفلام الناجحة والفاشلة، التي تركت أعمق الأثر في المجتمعات العربية وغيرها.