فراقٌ بلا وجَع!

نشر في 21-04-2016
آخر تحديث 21-04-2016 | 00:01
 مسفر الدوسري إن الطريقة المُثلى لتجنّب وجع الفراق هو ألا تملأ قلبك بمن تحب، وألا تحاول أن تُلصق صوره الكثيرة بغراء قوي على جدران الروح حتى لا يصعب انتزاعها من تلك الجدران عند الرحيل، وتجنب أن يعتاد لحاف أحلامك رائحة جسده، ووسائد أمانيك حديث أنفاسه، واحرص على ألا يترك من تحب عمداً أو سهواً تفاصيله مبعثرة بعضها ظاهر وبعضها مخفي في زوايا القلب.

في كل يوم حاول في غفلة منه العثور على تلك التفاصيل واجمعها في صندوق خاص بها، واحفظها كأمانة في ركن ما من قلبك حتى يسهل تسليمها إياه عندما ينوي الفراق، دون أن تترك أثراً يبقى مسماراً عالقاً في حنايا الذكرى، ولا تحاول أن تجعل من الأماكن والشوارع والحوانيت الصغيرة والمقاهي مرتبطة بحكايتكما معاً، غيّر الأماكن دائماً والطرقات التي تسيران فيها معاً، وإذا ما اضطررت للعودة مرة أخرى معاً لذات المقهى فاختر طاولة أخرى غير تلك التي جلستما عليها في المرة السابقة، واجعل دائماً الفضل لمذاق قهوتك هو البُنّ وحده ولا شيء سواه، وإذا ما وضعت يدك في يده فلا تجعل أصابعك تتهجى راحته لتقرأ خطوطها وتحفظ رسمها، وكن حذراً جداً من الأغاني الدافئة فإنها السكين الذي يعشق نكأ الجروح بدم بارد، فلا تنصهر معه في أغنية لها مذاق الحضن.

ولا تسكب عطر التفاصيل بينكما في قناني العمر الفارغة، دع ذلك العطر تحت سماء مفتوحة من كل اتجاه للرياح، وإيّاك أن تجدّلا معا حلماً طويل الضفائر، وتجنّب قدر استطاعتك المشي مع من تحب تحت المطر أو مشاركته المظلة الوحيدة حينها، وكذلك الأحاديث المغزولة بظلال الشمس وضوء القمر، والجلوس ملتصقين على شاطئ البحر تاركين لخيالكما السباحة في اللون الأزرق، أو القراءة من كتاب بينما أحدكما ملقياً رأسه على صدر الآخر، إذا أردت فراقاً لا يحمل نكهة الفقد فاجعل لحظاتك مع من تحب كالماء يرويك ولكنه بلا طعم ولا لون ولا رائحة!

لا تترك بصمات أصابع من تحب على جسدك أو روحك، امسحها أولاً بأول، وحاول قدر جهدك ألاّ تغرق بنشوة حبك فتترك قلبك طائعا مستسلما لمشيئة هذه النشوة وما ترسمه بمحض رغبتها من قدر، ولا ترهن ضوءك لسماء حبك مهما بدت صافية، واجعل من شوقك زهرة تقطفها وتستمتع بعطرها مع يقينك بأنها آيلة للذبول بعد حين، ولا تجعل منه بذرة تصبح دون أن تدري حقلاً يصعب عليك حصده غداً.

الأهم ألاّ تجعل لقصة حبك حميمية خاصة يصعب محوها من القلب والذاكرة لاحقاً، إن الحنين يتسرب دائماً من تلك النافذة التي يصعب غالباً غلقها، ومن قطرة ندى نسيت أن تجفّ، وكلمة نسيت أن تكتمل على الشفاة، وأثر أبى إلا أن يتمسك بعباءة أيامك... وتركته يفعل!

back to top