تحتضن الكويت خلال الفترة 10-16 يناير الجاري، بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح، الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي. وإذا كانت الكويت تدشن فعاليات اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية، فإن الدلالة كبيرة ومهمة ومفرحة لجميع المسرحيين العرب بأن يكون المهرجان برعاية كريمة من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، واهتمام ومتابعة مشهودين من سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات حاكم الشارقة الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح.

Ad

تنعقد الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي في الكويت في ظرف عربي عصيب وخطير ومأساوي. فلم تشهد أقطار الوطن العربي انقسامات واقتتال وتدمير ووحشية بين أبناء الشعب الواحد، وطوال تاريخها الحديث، كما هي اليوم.

اليوم يقتل الإنسان العربي أخاه العربي، ويدمر ثروة بلده وتراثه الإنساني في سابقة إنسانية غير مشهودة. لذا فاجتماع ما يزيد على الأربعمئة مبدع وفنان مسرحي عربي على أرض الكويت لتقديم عروض مسرحية وندوات وورش، يعني بين أمور كثيرة إضاءة شمعة كبيرة في ظلمة الوطن العربي الدامسة. شمعة أمل وشمعة سلام وشمعة وصل بين العربي وأخيه العربي، وشمعة إبداع وشمعة سلام وشمعة محبة. شمعة تقول بوجع وألم الإنسان العربي، وتبشر بغد يتمنى الجميع أن يكون أفضل وأكثر ألفة وسلاما وحرية وديمقراطية.

يحتضن المهرجان خمسة عشر عرضاً مسرحياً من مختلف أقطار الوطن العربي. وإذا ما أشرنا إلى أن المسرح هو الأب لجميع الفنون، وهو المواجهة الحية والمتفاعلة بين الممثل والجمهور، فإن المهرجان يقدم فرصة ذهبية لعشاق المسرح العربي لمتابعة حركة المسرح، والوقوف على آخر ما تفتقت عنه ذهنية ومخيلة الفنان المسرحي العربي للتعبير عن عوالم الواقع العربي الماثل، ومن ثم محاولة إيجاد شيء من الحلول للمشاكل التي تغطي سماء الإنسان العربي.

الإنسان العربي يعيش وجعاً يومياً مضنياً، ولم يتبق له من أمل يتكئ عليه إلا الفنون والآداب والثقافة، لتوحيد ووصل ما خرّبته وحطمته ألاعيب السياسة القذرة. ما عاد بإمكان العربي رؤية زميله الفنان والمثقف العربي إلا ضمن احتفالات ومناسبات الفنون والثقافة، وكأن قدر الفنون والثقافة أن تكون الأم الرحوم التي يجتمع حولها الأبناء في لحظات الوجع واليتم والخيبة. هي احتفالات الفن والأدب وحدها مازالت قادرة وبشموخ على تجميع أبناء الأمة العربية من حولها في زمن عزَّ في الوصل واللقاء. لذا فإن الفنان والأديب العربي مطالبان بأن يكونا على قدر المسؤولية، وأن يكونا صوت الحقيقة العاري في الزمن الموحش، وصوت الصدق في زمن الكذب، وصوت الأمل في زمن اليأس. إن الفنان العربي بات وحده يمثل ورقة التوت التي تحمي عورة أحلام المواطن العربي. لقد سقط من حول المواطن العربي كل ما يمكن التشبث به، سقطت الأنظمة الدكتاتورية بطغيانها وجبروتها وظلمها، وانحرفت الثورات المؤملة عما انطلقت من أجله، وتشتت الإنسان العربي ضائعاً مهاناً في أصقاع الأرض. لذا لم يبق أمام الإنسان العربي سوى النظر إلى شيء من ضوء أمل يبشر به المسرح وتبشر به القصيدة واللوحة والقصة والرواية والفيلم واللوحة.

المتصفح لعناوين ندوات المهرجان، في دورته الثامنة، وعلى أهمية مواضيعها، فإنها تدور في فلك النظري والتنظير، وفي أحسن أحوالها فلك المسرحي نفسه، وهي وللأسف بعيدة عن علاقة المسرح بالجمهور. ففي زمن العنف المتوحش والرأي المتوحش والحرب المتوحشة، كيف تراها تكون علاقة الفنان بالجمهور؟ وأي دور يمكن أن يلعبه الفنان والمسرح في وجه آلة القتل؟ وكيف يمكن أن يكون صوتاً وحيداً متوحداً يبشر بالحياة في مواجهة الموت.

المسرح هو المواجهة الحقيقية بين الفنان والمتلقي، ولذا يبقى الحلم كبيرا بعلاقة وحوار وفعل يليق بهما.