صدر أخيراً عن  {المركز المصري للترجمة} كتاب {العولمة والثقافة... المزيج الكوني} للكاتب الأميركي جان نيدرفين بيترس، ترجمة خالد كسروي، ومراجعة طلعت الشايب. ويتناول الكتاب تداعيات التطوّر التكنولوجي الهائل، وأثره في التدفقات الثقافية، ومحاولة تهجين العلاقات بين الشرق والغرب، وظهور أنماط حديثة من الآداب والفنون.  

Ad

في كتاب «العولمة والثقافة... المزيج الكوني»، لفت المترجم خالد كسروي إلى تبني المؤلف منهجاً عميقاً من الناحية التاريخية، وتناوله منظور المزج الكوني «التهجين» كمحور رئيس لفصول كتابه، واتخذ موقفاً مميزاً في تحليل العولمة في سياق تاريخي واتساع جغرافي، بينما تميل دراسات بعض الباحثين إلى إطار زمني ضيق.

اشتمل الكتاب على سبعة فصول، أولها «العولمة: اتفاق واختلاف» ويناقش الإشكالية العامة للعولمة، واستدعاءها الاختلاف أكثر من الاتفاق، ويسأل: هل العولمة حديثة أم أنها عملية تاريخية قديمة، وهل ثمة صعوبة في إدارتها، لا سيما بعد تسارع وتيرتها في السنوات الأخيرة؟

أوضح المؤلف جان بيترس أن العولمة تشكّلت بفعل التغير التكنولوجي، والمتمثّل في الاتصال، الخيط، الذي يربط حلقاتها وحواراتها كافة، وأيضاً انتعاش تكنولوجيا المعلومات والاتصال، كجزء للبنية التحتية للعولمة، والاتصال العابر للحدود القومية، والهجرة والسفر وتفاعلات المجتمع المدني.

ساق المؤلف تعريفات «العولمة» من منظور علم الاجتماع كعملية تتلاشى فيها قيود الجغرافيا على الترتيبات الاجتماعية والثقافية، وخلالها يدرك الناس تلاشي هذه القيود، ولدى علماء التاريخ عملية تاريخية طويلة المدى من تنامي الترابط العالمي.

ألمح المؤلف إلى أن «الأقلمة» أحد أشكال العولمة، وفي العصر الحالي، تلاشت الهيمنة الثقافية للغرب، وظهرت تكوينات ناشئة مثل «البريك» في البرازيل وروسيا والهند والصين، وتشكيلات مثل «الموجة الكورية» واكتسبت المسلسلات والأفلام والموسيقى الكورية شعبية كبيرة.

التكامل الإنساني

تطرّق الفصل الثاني «العولمة والتكامل الإنساني: كلنا مهاجرون» إلى الترابط المتنامي حول العالم، والتوجه نحو نطاق شامل من التعاون البشري، ينظر إليه كعملية جدلية، وجزء من إرث تناقلته الأجيال، وعملية طويلة المدى غير عادلة ومتنافسة، تلازمها المساواة ونقيضها.

ويشير المؤلف أهمية فحص هذا المنظور من وجهة الهجرة والشتات. أما الفصل الثالث «العولمة والثقافة: ثلاثة نماذج» فتناول التوجه نحو ترابط عالمي متزايد، تصاحبه مفاهيم متضاربة عدة للاختلاف الثقافي، فالوعي بأن العالم «يصبح أصغر» وانحسار الاختلاف الثقافي، يتزامن مع حساسية مضطردة للاختلاف، وإن كان يشكل تحولاً ثقافياً عاماً، وتحرك التحديث كآلة ساحقة، تمحو في طريقها التنوع البيولوجي والثقافي.

العولمة والحداثة

الفصل الرابع بعنوان «العولمة والتهجين» يأخذنا إلى انتفاء التجانس لوجود عولمة متعددة ومرتبطة بالحداثة، وبزوغ أشكال جديدة مختلطة من التعاون الاجتماعي، وتهجين ثقافي أو تنمية ثقافات مزيجة عابرة للمحلية، تندرج تحت مسميات مستعارة، مثل التوفيق بين المعتقدات وتمازج اللغات والأجناس.

وتناول الكاتب في الفصل الخامس «التهجين، ما الذي يعنيه رد الفعل العنيف المعادي للتهجين ومعضلات الاعتراف؟»، مسلطاً الضوء على الانفتاح على سياسات الاختلاف، أحد متغيرات الوقت الراهن، وبروز مشكلات جديدة من «الاختلاف والاعتراف» وحضور سياسات الهوية إلى الواجهة، وفجوة التنمية العالمية مؤكداً أن التهجين محض زيف وهم بتعددية ثقافية.

وفي الفصل السادس «العولمة مضفرة: تناضح الشرق والغرب»، أكّد المؤلف أن هذا التلاقح ضارب في القدم، وأثار الجدل في كثير من الدراسات التاريخية، ووثّق بشكل كبير الهوس الغربي بالمصرية والصينية والتركية والهندية والإثيوبية، بالإضافة إلى هجرات وتجارة وغزو قبل الميلاد وحتى منتصف القرن الماضي.

وفي الفصل الأخير «المزج الكوني»، انتهى المؤلف إلى أن ثمة ثلاث قوى موجهة «العولمة والحداثة والثقافة» وتحتاج مفاهيمها المركبة إلى الفصل، مثل التهجين الذي لا يمنع صراع الثقافات، وينهض على افتراضية شطب المسافة الوسط، وتجاهل الأعراق والهويات المتعددة.

يذكر أن جان نيدرفين بيترس أستاذ دراسات العولمة وعلم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا، وأستاذ زائر في جامعات عدة، ومن أهم مؤلفاته «عولمة أم سيطرة» و»الأعراق والتعددية الثقافية الكونية».