اقتصاديون لـ الجريدة•: الضغط السياسي المستمر معرقل رئيسي لـ«الخصخصة» ولا جدية في نيّة الحكومة

نشر في 31-01-2016 | 00:05
آخر تحديث 31-01-2016 | 00:05
الفورة النفطية أخرتها كثيراً والتراجع عنها أصبح سمة متكررة
رغم مرور أكثر من 5 سنوات على إقرار قانون الخصخصة، ورغم صدور لائحته التنفيذية، وعلى الرغم من تعيين مجلس أعلى للتخصيص برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية خمسة وزراء، إضافة الى ثلاثة أعضاء متفرغين من ذوي الكفاءة والاختصاص، ورغم إعلان الحكومة نيتها البدء بخصخصة العديد من القطاعات والخدمات، فإنه «لا خصخصة» حتى الآن، ولا تطبيق لكلام وآمال تكررت كثيرا بمرور الزمن، وآخر «التراجعات» هو اقتراح اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة تخصيص 20 في المئة فقط من أسهم الخطوط الجوية الكويتية و20 في المئة ستكون اكتتابا عاما و5 في المئة تبقى للموظفين الباقين بالمؤسسة، منها 2 في المئة للموظفين المتقاعدين ولم يحصلوا على مميزات، ووافق عليها وزير المواصلات أيضا.

آخر هذه التصريحات هو ما قاله نائب رئيس الوزراء وزير المالية وزير النفط بالوكالة أنس الصالح في مؤتمر الإعلان عن الميزانية العامة للسنة المالية الجديدة 2016/ 2017 قبل أيام، إنه قد «حان الوقت للمضي قدما في تنفيذ وتسريع خطوات عملية الخصخصة، بل ويجب تفعيل كل القوانين الاقتصادية التي صدرت خلال العامين الماضيين ليكون لها أثر بالغ على المدى المتوسط».

يقول رئيس «الشال»، جاسم السعدون، في تحقيق صحافي أجرته «الجريدة»: إن التركيز يجب أن ينصب الآن على «إطفاء الحريق الهائل» المتمثل بمعالجة العجز في الميزانية العامة، ومن ثم التفرغ للحديث عن الإصلاحات الهيكلية ومن ضمنها الخصخصة، فعدم وجود استقرار اقتصادي في دولة ما يعني عدم وجود «إغراء» للمستثمرين ليساهموا في إنجاح الخصخصة.

 أما رئيس «بيان»، فيصل المطوع، فقد أكد أن غياب الإرادة الحكومية الحقيقية للبدء بمشروع التخصيص هو السبب الأبرز في عرقلة العملية حتى الآن، فمن هو بالسلطة الإدارية يعتقد واهماً أن مزيدا من السيطرة الحكومية على قطاعات الدولة المنتجة يعطيه سلطة أكبر لإدارة الدولة.

 من جهته، قال رئيس اتحاد المصارف سابقا، عبدالمجيد الشطي، إن أحد الأسباب الرئيسة الأخرى التي ساهمت بعرقلة خصخصة المشاريع والخدمات هو التدخل السياسي الكبير الذي تم فيها، فالتوجه الشعبي الحالي هو خوف الناس من عملية الخصخصة وتسويقها كأنها عملية «بيع أصول» فقط، وليست خصخصة متكاملة تسعى للارتقاء بالخدمات والمنتجات والمنافسة في تقديم الأفضل. أما مدير هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، عادل الرومي، فأشار إلى أن الوضع الحالي يمكن أن يساهم في تشجيع الحكومة أكثر على المضي قدماً بتنفيذ مشاريع الخصخصة الموجودة في الخطط التنموية، وتساهم الأوضاع الاقتصادية بتخفيف حدة الاعتراض والتخوف الشعبي الموجود ضدها.

بيد أن عضو غرفة التجارة والصناعة، فهد الجوعان، قال إن الخصخصة كافية لانتشال الميزانية من أوضاعها ومصاعبها الحالية، فلا يمكن أن تكون الضرائب أو خطة الترشيد الحالية كافية لاستدامة انتشال الميزانية من الأزمات التي تتعرض لها.

أكد رئيس «الشال» جاسم السعدون أن الدولة اليوم أمام «حريق هائل» يجب أن نطفئه أولا، ثم نتكلم عن الأمور الاقتصادية الأخرى منها الخصخصة، مشيرا إلى أن النفط الآن أسعاره متدنية، وبالتالي من الصعوبة أن يأتي مستثمر ما ليضع أمواله في بلد يعرف أنه أمام حريق مستعر سيلتهم ميزانيته.

وأضاف السعدون: علينا أولا إطفاء الحريق ومعالجة المالية العامة قبل أن يستفحل الأمر، فعدم استقرار الأمور يطرد رأس المال الجبان، مضيفا أن الأولوية لوضع الأسسس لخلق اقتصاد مستدام ومتنوع الإيرادات، لكن بالطبع بعد مواجهة الأزمة الحالية.

غياب الإرادة

أما رئيس مجلس إدارة شركة بيان للاستثمار، فيصل المطوع، أكد غياب الإرادة الحكومية الحقيقية للبدء بمشروع التخصيص لمرافق الدولة، مشيرا إلى أن كل ما قيل عن توجهها نحو الخصخصة هو مجرد كلام دون أي فعل يثبت عن جديتها.

وقال المطوع: التخمة النفطية الكبيرة القادمة من فورة أسعار النفط خلقت سيولة كبيرة لدى الحكومة، أوهمتها أنها ثروة مستمرة وغير منقطعة، بينما الحقيقة أنها سيولة فائضة لا تعني الكثير، إلا إذا تم تحويلها لاستثمارات منتجة تعطي الفائدة والخدمة للمجتمع وتعدد مصادر دخل الدولة.

وأشار إلى أن هناك العديد من الدول التي لا تتمتع بمصادر ثروة طبيعية، وفي الوقت ذاته تتمتع بأعلى مستويات الدخل في العالم مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسويسرا وهونغ كونغ وسنغافورة، مؤكدا أن هذه الدول نجحت في خلق اقتصادات ضخمة عبر الاعتماد على وضع الهيكل المناسب لها.

وأضاف: من هو بالسلطة الإدارية يعتقد واهما أن مزيدا من السيطرة الحكومية على قطاعات الدولة المنتجة يعطيه سلطة أكبر لإدارة الدولة، وهذا مفهوم خاطئ وقصير النظر، لأن الرفاه الذي تهدفه كل دول العالم لتحسين مجتمعاتها هو الهدف الأساسي، لا زيادة السيطرة والنفوذ على مصادر دخل الدولة.

وذكر أنه لتفعيل الخصخصة يجب أن تكون هناك إرادة حكومية حقيقية لذلك، وإلا لن تفيد كل المحاولات لتنفيذها، متسائلا عما يحتاج إليه قطاع البريد مثلا لكي يفعل ويطور! لماذا نتسلم بريدا ومراسلات يمر عليها أكثر من 7 أشهر! مؤكدا أن قرار المضي بالخصخصة بيد الحكومة وحدها.

عدم شعبية

أما رئيس اتحاد المصارف الكويتية سابقا، عبدالمجيد الشطي، فقد أشار إلى أن الظروف الاقتصادية الحالية والأوقات العصيبة التي تمر بها الدول النفطية لا تساعد على المضي قدماً في مشروع الخصخصة، موضحا أنه لكي تمتلك الدولة مشروعا ناجحا، فإن الكيان التجاري يجب أن يكون ناجحا لزيادة جاذبيته أمام المستثمرين، لكن عندما نرى أن سوق الكويت للأوراق المالية من تراجع إلى آخر، فإن خوف المستثمرين يزداد.

وأضاف الشطي: أحد الأسباب الرئيسة الأخرى التي ساهمت بعرقلة خصخصة المشاريع والخدمات هو التدخل السياسي الكبير الذي تم فيها، فالتوجه الشعبي الحالي هو خوف الناس من عملية الخصخصة وتسويقها كأنها عملية «بيع أصول» فقط، وليست خصخصة متكاملة تسعى للارتقاء بالخدمات والمنتجات والمنافسة في تقديم الأفضل.

وقال الشطي: هناك شركات وجهات عامة قابلة للخصخصة، لكن كي تنجح العملية فإنه يجب أن هناك عرضا وطلبا، في هذه الحالة العرض موجود، لكن الطلب مفقود والسبب هو خوف المستثمرين من الأوضاع الحالية، مشيرا إلى أن كل العوامل المحيطة، سواء أكانت اقتصادية أو عسكرية أو جيوسياسية تؤثر سلباً في البيئة الاقتصادية وجعلها غير محفزة.

الضغط السياسي

بدوره، يرى مدير هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، عادل الرومي، أن عملية الخصخصة ليست مرغوبة شعبيا مع وجود تخوف منها، مضيفا أنه بعد صدور اللائحة التنفيذية لقانون الخصخصة أصبحت هناك خطوات جادة بتحويل الدولة من مشغل إلى مراقب، وبالتالي الدفع أكثر باتجاه الخصخصة، ومشاركة القطاع الخاص بإدارة الخدمات والمنتجات العامة، لكن الأمر يتوقف دائما عندما يصل إلى السياسيين الذين يبدأون بالضغط على الموضوع لإيقافه.

وقال الرومي: لست متفائلا بالمضي قدما في عملية الخصخصة، نظرا للتخوف الشعبي الكبير المعارض لها، موضحا أن أبرز نقاط التخوف هو إشراك العمالة الوطنية فيها، مؤكدا أن اللائحة التنفيذيبة للقانون أعطت ضمانات لنسب التوطيف، كما أعطت المنبر القانوني وخريطة الطريق للعملية.

وأضاف: القوانين الحالية فيها فرص عمل جيدة جدا، واللائحة اشترطت أن تكون نسبة العمالة الوطنية بمشروعات الخصخصة 70 في المئة، وهذه النسبة واحدة لمشاريع الخصخصة وكذلك المشاركة بين القطاع العام والخاص.

أبرز المعوقات

وفي ما يتعلق بالمعوقات، قال الرومي إن أبرز المعوقات هي الجهات المشرفة على مشاريع الخصخصة نفسها، فهناك اهتمام كبير من الشركات العالمية للدخول في مشاريع الخصخصة حتى لو بنسبة 40 في المئة فقط من أسهم الشركات الجديدة الخاصة بها، أي أقل من النصف، وهناك استفسارات كثيرة منها في ما يتعلق بهذه المشاريع، إلا أنه لم يتم طرح أي منها حتى الآن!

وقال الرومي إن القانون نص على تأسيس شركات مساهمة عامة تخصص 50 في المئة من أسهمها للمواطنين، وتحويلها لكيانات اقتصادية تخلق فرص عمل للمواطنين، وبالتالي فإن القانون عالج الموضوع، ولن يكون مجرد «بيع أصول»، بل خلق كيانات اقتصادية جديدة للبلد تساهم في تنويع مصادر للدخل.

وأضاف أن هناك هجرة من القطاع الخاص إلى القطاع العام، لكن «رب ضارة نافعة» عبر انهيار أسعار النفط، حيث إن الوضع الحالي من الممكن أن يساهم بتشجيع الحكومة أكثر على المضي قدما بتنفيذ مشاريع الخصخصة الموجودة في الخطط التنموية، وتساهم الأوضاع الاقتصادية بتخفيف حدة الاعتراض والتخوف الشعبي الموجود ضدها، وذلك لأهمية تنويع مصادر الدخل للدولة في ظل الظروف الحالية.

 نية واضحة

عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة، فهد الجوعان، أكد أن الخصخصة تحتاج إلى خطوة جادة ونية واضحة لها لإنجاح تنفيذها، مشيرا إلى أنه لا يوجد حتى الآن هذه النية للمضي قدما فيها.

وقال الجوعان إن المشكلة قديمة وليست جديدة، والمطالبات بتنفيذ الخصخصة كانت موجودة أثناء فترة الرخاء الاقتصادي، لكن لم يكن هناك تحرك في تلك الفترة، كما أن قانون الـ B.O.T تم تعديله ليصبح جزءا من المعضلة أيضا بعد التعديل، مشيرا إلى أن القطاع الخاص طالب مرارا وتكرارا بالخصخصة، لكن لم يكن هناك إصغاء لتلك المطالبات.

وأوضح الجوعان أن قطاع الاتصالات دائماً ما يكون خير مثال للخصخصة، والتطور الذي تم في الخدمة المقدمة منه، وكذلك نسب التوظيف للعمالة الوطنية، وكذلك الإيرادات المحققة ومستوى رضا العملاء عن الخدمات المقدمة وغيرها، لم يحصل إلا بعد أن أخذ القطاع إدارة هذه الشركات.

فقدان سيطرة

قال الجوعان: طالبنا أن تتحول الحكومة من مشغل إلى مراقب، لكن هناك تخوف من فقدان السيطرة على الساحة السياسية، وبالتالي فقدان قوتها في هذا الجانب، كما أن فقدان السيطرة على توظيف الخريجين الجدد من شأنه أن يضعف دور الحكومة أكثر، وبالتالي هذا ما يرجح سبب تخوفها من الأمر.

وأكد الجوعان أنه قد آن الأوان للإسراع في عملية الخصخصة، فنحن نعيش فترة عصيبة اقتصاديا، وإن لم نعالجها فإن تأثيرها قد يكون أكبر من تأثير الأزمة المالية العالمية في 2008، مشيرا إلى أنه من الأفضل البدء بالخصخصة بالقطاعات الأصغر ثم الأكبر تدريجيا لتلافي الأخطاء وتقييم التجربة.

وشدد على أن الخصخصة كافية لانتشال الميزانية من أوضاعها ومصاعبها الحالية، فلا يمكن أن تكون الضرائب أو خطة الترشيد الحالية كافية لاستدامة انتشال الميزانية من الأزمات التي تتعرض لها، مشيراً إلى أن هذه الأدوات هي حق مطلوب في عملية الإصلاح المالي بالطبع، لكن يجب أن تأتي بحزمة متكاملة تضم الخصخصة، كما أن عملية الترشيد والإصلاح يجب أن تأتي من أعلى الهرم الحكومي انتهاء بأصغر موظف حكومي، لا العكس.

السعدون:

عدم استقرار الأمور يطرد رأس المال الجبان... وعلينا أولاً إطفاء الحريق ومعالجة المالية العامة قبل أن يستفحل الأمر

المطوع:

التخمة النفطية الكبيرة الناتجة عن فورة النفط خلقت سيولة لدى الحكومة أوهمتها باستمرارها

الرومي:

الأمر يتوقف دائماً عندما يصل إلى السياسيين الذين يبدأون بالضغط على الموضوع لإيقافه

الجوعان:

نعيش فترة عصيبة اقتصادياً... إن لم نعالجها فإن تأثيرها سيكون أكبر من تأثير أزمة 2008

الشطي:

التدخل السياسي الكبير ساهم في زيادة خوف الناس وتحويلها لديهم لعملية «بيع أصول» فقط!

back to top