مهرجان المسرح العربي 2
![فوزية شويش السالم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928838345230500/1555928850000/1280x960.jpg)
العمل الثاني كان قمة في الجنون الأدائي، وقد أعجبني جدا في كل تفاصيله، وهو من إخراج العبقري فاضل الجعايبي، وتأليف جليلة بكار، ولم أشاهد مسرحية في حياتي تحمل كل هذا العنف الذي سُمي العرض باسمه، هنا بالفعل عنف رهيب بداية من السينوغرافيا التي اشتغلت على اللون الرمادي مع إضاءة سينمائية داكنة وموسيقى تدرك مكامن الصمت لتخترقها في التوقيت المناسب، وتمثيل حارق مارق بتعبير جسدي يمتلك قدرات وتقنيات رهيبة وقدم لنا صوراً عكست عنف الوحشية الكامنة تحت قناع الحضارة الإنسانية المزيفة فينا، وكشفها في هذه الحالات الإجرامية من خلال امرأة تقتل زوجها، ورجل مثلي يقتل عشيقه، وأم ترمي طفلها في التنور، وتلاميذ مدرسة يرمون مدرستهم من فوق السطح بعد تقطيعها بتلذذ، وبقوة تمثيل تُنسي المشاهد أنه تمثيل، خاصة في المشهد الذي يتداخل فيه هذيان قتل العاشق لعشيقه بتقطيعه للبصل والطماطم، في حين أنه كان يقطع في جسد عشيقه وماء الطماطم كان دمه.مسرحية التابعة للمخرج المبدع توفيق الجبالي في مشهديته السينمائية المحملة بفلسفته الوجودية الكاشفة لتناقضات الحرب ومخلفات ثورة الياسمين التي زلزلت وخلخلت الأمن الإنساني ودمرت الاستقرار والطمأنينة فيه، عكست هذياناً جماعياً وفوضى ضاربة شاملة لا تُدرك أحوالها وانفصاماتها وجنوحها وجنونها، وهديراً يتصاعد بعنف نحو هاويته، وهي لعنته التي تعنيها كلمة التابعة، التي تنتهي بمشهدية مذهلة. أما العرض التونسي "برج الوصيف" فتميز بأداء تمثيلي رائع، وهو منقول عن مسرحية تينسي ويليامز المسماة "قطة على صفيح ساخن".وكان العرض المصري "سيد الوقت" مليئاً بالشفافية الروحانية، لأنه اعتمد على نص محمل بالشاعرية العالية التي كتبها الشاعر المبدع فريد أبو سعدة عن حكاية الفيلسوف المفكر شهاب الدين السهروردي، الذي أعدم بتهمة الإلحاد فقط، لأنه طالب بمراجعة الفتاوى وتنقيتها وتمحيصها، وهي ما تطابقت مع حكاية الكاتب في المسرحية الذي راح يبحث عن آراء وتفكير السهروردي، ويتماثل وضع هذا المؤلف مع زمننا هذا الذي اختلطت فيه المفاهيم، وكثرت به الفتاوى، واختلط الحابل بالنابل. المسرحية تفاعل معها الجمهور بقوة، إذ إنها ضربت على أوتار أوجاعه وكشفت عورة زمننا هذا.من الأعمال الجميلة أيضا مسرحية "لا تقصص رؤياك" التي عكست الواقع الخليجي العربي، وما يتعرض له من إرهاب داعشي وتمزق فكري بين ما يُنشر من فتن عقائدية وطائفية ومصالح سياسية عُولجت بشكل درامي جميل خاصة ما جاء في ختام العرض.مبارك حصول العرض المسرحي الكويتي على جائزة المهرجان، بعدما أشاد به الجميع.