منذ سنة 1995 استمر هبوط أسعار السلع المتينة مثل السيارات وأجهزة التلفاز والحواسيب والبضائع المماثلة في الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من أن أسعار السلع الخفيفة والخدمات استمرت في الارتفاع في أغلب الأحيان.
وفي الشكل رقم 1 تم استخدام الأسعار على اعتبار سنة 2009 هي سنة الأساس، بينما يستخدم الشكل رقم 2 سنة 1960 على شكل أساس.أما الشكل رقم 3 ففيه المعلومات ذاتها على شكل تغيرات نسبة مئوية محسوبة على أساس سنوي، وهي الطريقة التي نتحدث بها عادة عن التضخم أو الانكماش، وتمثل طريقة تقديم المعلومات كيفية فهمنا لها.ويروي هذا الجدول قصة مألوفة بالنسبة الى العديدين منا والمتعلقة بالانكماش الكبير، وقد ارتفع اجمالي معدل التضخم من دون توقف منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ثم اعترض على ذلك بول فولكر، ومنذ ذلك الوقت استمر معدل التضخم في الهبوط.وترددت روايات مماثلة في الدول المتقدمة الاخرى واعتبرت سياسة التشدد المالي بصورة عامة أنها ذات دور ريادي، ثم إن عدم حدوث أزمة نفطية كبرى منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي (وكان الارتفاع الكبير في معدل تضخم أسعار السلع غير المتينة في سنة 1973/ 1974 وفي 1979/ 1980) يعود إلى أسعار النفط، ولم يلحق ذلك أي ضرر أيضاً.ويمكن شرح تلك الجداول في القصتين التاليتين:1 – القصة الكامنة وراء الانكماش الكبير في أسعار السلع المتينة (الذي بدأ في الربع الثاني من سنة 1995).2 – القصة الكامنة وراء استمرار معدل التضخم في قطاع الخدمات. ويظهر الجدول الثالث أن وتيرة الزيادة تباطأت بعد سنة 2008، ولكن أسعار الخدمات استمرت في الارتفاع.والانكماش الكبير في أسعار السلع المتينة هو محور تركيزنا اليوم، ولا يبدو أن ذلك كان مدفوعاً من قبل البنوك المركزية وقدرتها على خلق وتدمير الأموال.ويقول ميلتون فريدمان إن "التضخم كان دائماً وفي كل مكان ظاهرة نقدية"، ويفترض أن يعني ذلك تماماً ما ذهب اليه فريدمان، ولكن القوى المالية التي تكتسح الاقتصاد برمته لا تفسر لماذا تتبع أسعار السلع المتينة ذلك المسار المختلف بخلاف الأسعار الاخرى، والسؤال هو ما الذي يطرحه ذلك؟يتمثل أحد التفسيرات في أن البضائع (المتينة وغير المتينة معاً) تخضع لعمليات تجارية فيما لا ينسحب ذلك بصورة عامة على قطاع الخدمات، وبخلاف معظم الخدمات يتم شراء وبيع البضائع عبر الحدود الوطنية، ومن هذا المنطلق فإن بروز الصين على شكل عملاق منتج جديد للمواد المتدنية التكلفة لسلع مصنعة في حقبة التسعينيات والـ 2000 يفرض مساراً هابطاً الى حد كبير على أسعار السلع المتينة، لا على أسعار غير المتينة (والفئات الثلاث الرئيسية للسلع غير المتينة هي الغذاء والطاقة والملابس، والصين دولة كبيرة مصدرة للملابس) وليس لها اي دور على الاطلاق في قطاع الخدمات.التفسير الآخر هو أن مصنعي السلع المتينة يستمرون في تحقيق تحسن في أعمالهم في انتاج تلك السلع، ويطلق خبراء الاقتصاد على ذلك سمة "نمو الانتاجية متعددة العوامل" وكانت أعلى كثيراً في العقود القليلة الماضية في تصنيع السلع المتينة لا غيرها. وكان النمو في الانتاجية في قطاع الخدمات أمر يصعب قياسه بقدر أكبر ولكنه يبدو اقل مما هو الحال في التصنيع.وهذا لا يعني أن مصنعي السلع المتينة حققوا تحسناً في أدائهم وأعمالهم، ولكنهم برعوا في انتاج مواد تتفوق على منتجات الماضي وخاصة في مجال الحواسيب والأجهزة الالكترونية الاخرى.وتحاول مقاييس الحكومة لمعدلات التضخم في الولايات المتحدة عكس مثل تلك التحسينات، وقد تعرضت هذه التعديلات في أغلب الأحيان الى انتقاد من قبل المشككين على أساس أنها تلاعب في معدلات التضخم ولكن لا يمكن تفاديها حقاً، وصحيح أن هاتف آي فون أكثر تكلفة من هاتف برنسيس قبل 25 سنة.التقدم التقني الذي يمثل المحرك الدافع لنمو الانتاجية المتعددة العوامل اضافة الى المكاسب الكبيرة في مستويات المعيشة خلال القرنين الماضيين يمثل سبباً جيداً لاستمرار الانكماش في السلع المتينة كما تلعب المنافسة العالمية دوراً في هذا الشان. ويقول الاستشاري برايان بارنير إن انكماش أسعار السلع يشكل سبباً للتفاؤل الاقتصادي.ولكن المجادلة النقدية لفريدمان والعديد من الاقتصاديين منذ أُقنِع حكام المصارف المركزية بأن الانكماش على مستوى الاقتصاد الواسع هو حقاً مسألة سيئة. وهو يجعل من الأصعب على الشركات والأفراد تسديد ديونهم، كما يفضي إلى دفع الاقتصاد في مسار هابط.ومع استمرار الهبوط في أسعار السلع المتينة فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي أصبح مضطراً لابقاء السياسة النقدية فضفاضة بما يكفي لارتفاع أسعار السلع الاخرى، ويتعين أن يكون ذلك جزءاً من القصة الكامنة وراء استمرار التضخم في قطاع الخدمات.
مقالات - Ecooped
استمرار هبوط أسعار السلع في الولايات المتحدة
05-03-2016