باسمة العنزي!
أقلام نسائية كويتية كثيرة منذ الستينيات والعقود التي تلتها ظلت عالقة بذهني بمعطياتها الأدبية في مجال الرواية، والشعر والصحافة، والثقافة بشكل عام! أذكر منهن بعض النماذج –على سبيل المثال- فاطمة حسين، وخزنة بورسلي، ونجمة إدريس، وثريا البقصمي، ومنى الشمري، والناقدة الفنية ليلى أحمد، وغيرهن ممن لم تسعفني الذاكرة بأسمائهن.وهناك بعض اللواتي أثيرت حولهن شبهات من أنه يوجد من يقف وراءهن فيما يكتبن في مجالات الرواية والشعر، وقد نال بعضهن شهرة واسعة.
هذا إلى جانب الكثيرات من عديمات الموهبة ممن بقين يراوحن بما يمكن وصفه بالعبثية التي تتخذ لنفسها عناوين علمية! وأقلام نسائية أخرى كانت تظهر بين الحين والآخر – متبرقعة - بمسميات مختلفة سرعان ما يلفها الظلام لعدم قدرتها على الاستمرار، لمحدودية أفقها الثقافي!كان لابد من هذه المقدمة لأنني قرأت رواية عنوانها "قطط إنستغرام" لمؤلفة كويتية هي باسمة العنزي التي تمتلك نفساً أدبياً أصيلاً.ويجب أن أعترف بأنني مقصر جداً في متابعة ما ظهر من أقلام نسائية خلال أكثر من ثلاثة عقود ونيف بحكم الاهتمامات الجديدة التي وجدت نفسي منغمساً فيها أثناء فترة اغترابي عن الكويت، لكن باسمة في روايتها هذه جعلتني متفائلاً إلى أبعد حدود التفاؤل: إن الحالة الثقافية الكويتية بخير مادام فيها مثل هذا النموذج الذي حفزني إلى قراءة رواية "قطط إنستغرام" أكثر من مرة! ***أنا أشكر باسمة لأنها لم تكن خلال فصول روايتها، التي بلغت 27 فصلاً، تجعلني أقرأ رواية، بل إنها فتحت أمامي شاشة عريضة، وعرضت شريطاً سينمائياً يحتوي على كل التفاصيل التي لم أكن قد عشتها في الكويت بوضوح منذ أربعين سنة.نعم... أنا لم أكن أقرأ رواية! كنت أشاهد فيلماً ذا سيناريو محكم التركيز برسم شخصياته، وتعدد نماذجها... وهو يطابق تماماً نظرية قسطنطين استانسلافسكي الذي حدد لمن يقدم على كتابة رواية، أو مسرحية، كيف يرسم الشخصية الرئيسية، فالشخصية المحورية، فالشخصيات الأخرى المساندة، ثم يشير إلى الحدث وأهمية الأحداث نفسها، فالحدث الأهم، فالأقل، وهكذا دواليك سارت باسمة العنزي في روايتها شخوصاً وأحداثاً!وقد لعبت بمهارة فائقة بتوظيف الشخصيات والأحداث التي تم التقاطها بعينها الفاحصة بدقة متناهية من واقع المجتمع الكويتي في الوقت الراهن!فباسمة عندما تصور الانتهازي – منصور لافي – لتشير لهذا الأنموذج الذي كان في القاع، وإذا به يعلو بعد أن اتخذ مبدأ الغش والخداع والدسيسة، بل والحقارة... فهي تصفه: "كان في مراهقته يجوب شوارع المنطقة بدراجته ناشراً الأذى، كلماته نابية على جدران المدارس، تعليقاته بذيئة على من يصادفهم في طريقه من المشاة، قناني مشروبات غازية ينتهي منها فيصوبها على زجاج السيارات الآمنة، بصاقه على رؤوس الأطفال الصغار في الحديقة العامة، مسامير يغرسها في إطارات دراجات الصبية عند المسجد، وهو من الناس الذين تنحصر وظيفتهم في بث الشرور، وجلب الضيق للآخرين".قد لا يتسع المجال للإتيان على صور من الشخصيات الأخرى، ولكن منصور لافي هذا في نهاية الرواية استخدم شتى الأساليب القذرة واللامشروعة، ليفوز كنائب في مجلس الأمة!