منذ أكثر من ثلاثة عقود ومنطقتنا لم تهدأ، ولم تنعم شعوبها بالسلام، فحرب تمهد الطريق لحرب أخرى، مع ما يعنيه ذلك من دمار بشري ومادي وبيئي لا يقدر بثمن، هذا ناهيك عن أن أكبر مصانع الأسلحة في العالم جرّبت أسلحتها الجديدة ووسائل دمارها الحديثة في منطقتنا، ونهبت ثرواتنا المالية من خلال سباق التسلح الذي يستنزف الميزانيات العامة، والدليل على ذلك طبيعة التكتلات والأحلاف التي تشكلت وتتشكل في المنطقة، وبمعزل عن آراء الشعوب ورقابتها، فهي إما أمنية أو عسكرية، إذ غابت، خلال هذه الفترة، التكتلات التنموية والاقتصادية الفاعلة.

Ad

وفي اللحظة الراهنة هناك حرب مدمرة تدور رحاها منذ أشهر على أرض اليمن، وهو الأمر الذي نتج عنه دمار بشري ومادي رهيب، ومجاعة بشرية مخيفة كما تبين تقارير المنظمات العالمية المهتمة بحقوق الإنسان، تتجاهلها وسائل الإعلام المختلفة!

وهناك في أماكن آخرى في منطقتنا دمار بشري ومادي أيضاً ناتج عن حروب أهلية عبثية في كل من العراق وسورية وليبيا تحصد يومياً أرواحا بشرية بريئة، ففي سورية وحدها، على سبيل المثال، وصل عدد القتلى الأبرياء حتى الآن، بحسب إحصاءات دولية، إلى نحو نصف مليون إنسان، هذا ناهيك عن عدد المشردين، والمهجرين، والنازحين الذين يعيشون في العراء بلا مأوى في ظروف معيشية، ومناخية، وإنسانية في منتهى السوء والقسوة.

وبالرغم من كل الدمار الذي نراه ماثلاً أمام أعيننا، فقد عادت طبول حرب دولية-إقليمية أخرى تقرع من جديد في سورية سيكون لها انعاكسات مباشرة على دول مجلس التعاون وشعوبها، وذلك بعد إعلان "التحالف العسكري الإسلامي" الذي تشكل مؤخرا بقيادة السعودية، وإسناد مباشر من تركيا عن النية للتدخل البري تحت ذريعة محاربة "داعش" الذي تشكل "لمحاربته والقضاء عليه" منذ 2014 تحالف دولي بقيادة أميركا يضم أكثر من (40) دولة، هذا ناهيك عن تدخل إيران وروسيا لاحقاً تحت الذريعة ذاتها، وهي محاربة "داعش"، مع أن الحقيقة تكمن في رغبتهما في المحافظة على النظام الاستبدادي في سورية.

الغريب في الأمر أن كل هذه الأحلاف العسكرية التي تقودها، رغم الاختلاف فيما بينها، دول رأسمالية كبرى لديها جيوش مدججة بأحدث الأسلحة الفتاكة، وأساطيل ضخمة ومدمرة، وأجهزة استخبارات معقدة لها باع طويل وخبرة واسعة في الجوانب الجيو-سياسية في المنطقة قد "عجزت"، ويا للعجب! عن القضاء على مجموعة مُتخلّفة من الميليشيات البدائية، فهل من الممكن أن ينطلي هذا على عاقل؟!

قد لا تصل الأمور هذه المرة إلى نشوب حرب تقليدية، ولكن زيادة حدة التوتر في المنطقة ووصول الأمور إلى حافة الهاوية يؤديان الغرض ذاته، وهو إثارة الرعب والقلق في نفوس الناس واستنزاف ثروات الشعوب وخيراتها، وإن المسوغات كافة التي تقدمها دول الرأسمالية الاحتكارية وأبواقها السياسية والإعلامية من أجل تبرير زيادة حدة التوتر واندلاع الحروب في منطقتنا هي مسوغات متهافتة يجري تسويقها ضد مصالح شعوب المنطقة وعلى حساب استقرارها السياسي ومعالجة مشاكلها الاجتماعية-الاقتصادية الصعبة والمعقدة، فبالوسائل السياسية والمفاوضات يمكن الوصول إلى حلول لأصعب المشكلات السياسية وأكثرها تعقيدا.

 لذا فالسؤال المكرر هو: إلى متى وشعوب المنطقة تعيش حالة ذعر ورعب وهلع وخوف من اندلاع الحروب وما يترتب عليها من عدم استقرار اجتماعي-اقتصادي-سياسي، ودمار بشري ومادي؟ فالحرب ليست نزهة، ومن حق شعوب المنطقة، كما ذكرنا مراراً، أن تنعم بالسلام، وتنسى هموم الحروب العبثية ودمارها، كي تعيش حياتها الطبيعية، وتتفرغ لمواجهة التحديات التنموية الصعبة، فلا للحرب... نعم للسلام.