لتبيان حجم الكارثة التي تعصف بالبورصة الكويتية تكفي الإشارة إلى أن بورصة الكويت نزفت فقط من بداية العام الحالي 2.85 مليار دينار كويتي من قيمتها السوقية حيث تراجعت من بداية السنة بنسبة نزول 12 في المئة من 26.16 مليار دينار إلى 23.3 ملياراً حسب إقفالات أمس.

Ad

أزمة عاصفة تجتاح أسواق المال العالمية، وفي سياقها نزف سوق الكويت للأوراق المالية مزيداً من الخسائر تحت ضغوط الهبوط المستمر لأسعار النفط والنظرة التشاؤمية التي تخيم عموماً مروراً بغياب أي إجراء حكومي يذكر أو خطط واضحة لمواجهة ما وصفة اقتصاديون بـ«حالة دمار شامل تجتاح الأصول».

ولتبيان حجم الكارثة محلياً تكفي الإشارة إلى أن بورصة الكويت نزفت فقط من بداية العام الحالي 2.85 مليار دينار كويتي من قيمتها السوقية حيث تراجعت من بداية السنة بنسبة نزول 12 في المئة من 26.16 مليار دينار إلى 23.3 ملياراً حسب إقفالات أمس.

وقبلها كان عام 2015 أغلق السنة على خسائر في القيمة السوقية، بلغت 3.6 مليارات دينار أي ما نسبته 12 في المئة تقريباً.

واقعياً الأزمة تتجدد وخلقت نوعاً من الذعر غير المسبوق، وأربكت القطاع الخاص أو«شلت» أطرافه، وبحسب مصادر مالية رفيعة المستوى توجد شبه حالة طوارئ واستنفار لدى الجهات الرقابية المعنية بالشأن المالي لرصد التداعيات، خصوصاً أن بعض الرموز الاقتصادية لم يخف قلقه وهاجسه من تأثر قيمة الدينار وسط الركام المالي حالياً.

لكن مصدر مصرفي رفيع استبعد ذلك، مشيراً إلى أن الكويت وقت الغزو لم تفعل ذلك، في إشارة إلى القوة المالية التي تتحمل تلك الصدمات.

في سياق متصل، أفاد مصدر رفيع لـ«الجريدة» بأن هناك خلية عمل رفيعة تعكف على بعض الإجراءات من المقترحات العاجلة التي قدمت للمجموعة الاقتصادية لمعالجة الأمر بشكل عاجل، لكن في المقابل، الأزمة أسرع من الجميع وتحتاج إجراءات استثنائية غير تقليدية.

وفي هذا الشأن تسرد الجريدة في ما يلي آراء نخبة من الاقتصاديين:  

بدوره، أعرب رئيس مكتب الشال للاستشارات الاقتصادية الخبير الاقتصادي جاسم السعدون عن قلقه البالغ لعدم الشعور بالمسؤولية من جانب الجهات المعنية والمختصة، للقيام بعلاج جوهري وحقيقي.

وقال السعدون: «آسف على القول إن هناك من لا يفقه حجم ما يحدث، ولا يعي كيف يتعامل مع المشكلة الحقيقية اقتصاديا، أو التعامل بمهنية عالية لحل هذه الأزمة للأبد».

وأضاف: «الهلع الحالي تجاه السوق المالي أمر متوقع وردة فعل طبيعية للعوامل القائمة من زيادة المعروض النفطي والفائض الكبير الذي ينذر باستمرار أمد نزول الأسعار والظروف السياسية المحيطة، وهذا الضغط عبارة عن رد فعل في المدى القصير»، مشددا على ان العلاج يجب الا يأتي كردة فعل، «فالمشكلة عميقة وطويلة الأمد ومعظمها من صنع أيدينا».

وتابع: «منذ سبتمبر 2008 كتبنا مرارا وتكرارا وأكثر من سبع مرات، وبالأدلة والبراهين والحجج، لكن لا أحد يريد أن يسمع أو يعي ما نقول، وكان هناك من لا يعجبه ما نكتب»، مضيفا: «الآن تكرست أزمة عدم الثقة، فهناك شركات سيولتها لا تتعدى 3.6 في المئة، وقلنا مرارا إن الأمر يحتاج جراحة وإخراج الشركات المريضة».

ولفت السعدون الى أن «الشراء بغرض الربح متاح بالنسبة للجهات الحكومية، إلا أن الوضع حاليا يتخطى مفاهيم محفظة وطنية أو ضخ 200 مليون دينار هنا او هناك، بل نحتاج إلى علاج جوهري واستراتيجي ناتج من الشعور بمشكلة حقيقية، وان تعي الإدارة في الدولة ذلك».

وتساءل: «ماذا لو استمرت الأوضاع على هذا السوء والوضع؟ حتما ستنتقل الأزمة إلى المصارف والاقتصاد الحقيقي، وستتعقد بشكل يعقد حلها، في ظل الظروف الراهنة المأزومة على صعيد المالية العامة».

البدر: وضعنا مختلف

يقول الخبير الاقتصادي البارز علي البدر، إن وضع الكويت في معادلة الأزمة التي تجتاح العالم وموجة الهلع الحالية مختلف، فالضغط محلياً يأتي من القلق الكبير بشأن ملف أسعار النفط وتأثيراتها السلبية على المالية العامة والاقتصاد.

وأضاف البدر أن القلق الأكبر لدى المستثمرين عموماً، والقطاع الخاص يتأتى من الضبابية وغياب الرؤية، فلا أحد يعلم أي أمر عن الإجراءات، وما إذا كان هناك توجه فاعل وملموس من قبل الأجهزة الرسمية عن آلية التفاعل وكيفية معالجة الأزمة.

وشدد على أن الأمر فعلياً يحتاج شفافية من قبل الأجهزة المختصة وإجراءات تبدو واضحة ومعروفة لوقف حالة الهلع كخطوة أولى.

وأكد بوضوح أن استمرار الوضع الراهن مضرّ على الجميع وستكون تأثيراته الاقتصادية أسوأ.

وأشار إلى أن تعزيز الثقة مطلوب في هذا التوقيت الحرج، مبيناً أن سوق الأسهم قد يهبط ويصعد لكن في المقابل الوزراء المختصين جميعم صامتون.

وأكد أن التطمينات بشأن معالجات الدولة تجاه المالية العامة أمر مهم خصوصاً أن هبوط أسعار النفط شهدت أعنف هبوط.

الناهض: أين صانع السوق؟

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لبيت التمويل الكويتي مازن الناهض، إن حالة الهلع الزائد وعدم الوضوح بالرؤية شكلت ضغطاً إضافياً على المزاج العام بجانب تداعيات أسعار النفط والظروف السياسية.

ونبه الناهض إلى ضرورة أن تكون التأثيرات على القطاع المصرفي بنفس نسب الهبوط الحالية في سوق الأسهم خصوصاً أن القطاع المصرفي لديه إجراءاته التحوطية، مشيراً إلى أن الضمانات وإن كانت أحد اجزاء السداد لكن في المنح التدفق النقدي يمثل أساساً جوهرياً.

وأضاف أن الوقت الراهن يجب أن يشهد ردود فعل مدروسة من جانب المحافظ الحكومية في محاولة لامتصاص الصدمة وتعزيز الثقة، لاسيما أن مستويات الأسعار هبطت إلى مستويات غير عادلة وبعضها لايعكس الوضع المالي للشركات القوية.

وأوضح أن سرعة هبوط السوق وهشاشته أثبتا بما لا يدع مجالاً للشك أهمية وجود صانع سوق، فذلك كان إثر غيابه اليوم، مؤكداً أن دور صانع السوق مهم في الأزمات لناحية توفير الاستقرار النفسي، وامتصاص الصدمات، معتبراً أنه من أهم الأدوات الملحة حالياً، حيث يكون أكثر قدرة ومرونة على التحرك بين السلع الممتازة مع النزول الحاد.

الملا لإجراءات ذكية

من ناحيته، يقول عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة عبدالله نجيب الملا ، إن العام الحالي يحمل تحديات كبيرة وصعبة وأكبر من الأعوام الماضية خصوصاً في ظل المؤشرات السلبية التي تخيم على مفاصل الاقتصاد إضافة إلى الوضع السياسي المأزوم.

وأضاف أن الوضع عالمياً يدق ناقوس الخطر والقلق من الاستقرار بالمنطقة ينعكس سلباً على نفسيات المستثمرين، وفي ظل هذه الأوضاع ليس المطلوب ضخ أموال وغش المتداولين، بل مطلوب شفافية في المعالجة وإجراءات اقتصادية ذكية تناسب الظروف والمرحلة، فالأمر يتخطى هبوط أسعار أسهم. ونبه الملا إلى أن الاعتماد على الفوائض النفطية لا يمكن أن يحصن الاقتصاد سوى لفترة محدودة، وستستنزف خلال سنوات قليلة، وما يؤسف له أن الحكومة أتت في وضع سيئ للغاية لتفرض إجراءات إصلاحية غير مناسبة لأنها تعتمد على رفع دعم ورفع أسعار سلع وغيرها من الإجراءات غير المناسبة للمرحلة الراهنة.

وأشار إلى أن الأزمة الراهنة التي باتت تطل برأس مكشوف تحتاج مواجهة ولإجراءات فاعلة، محذراً من استمرار صمت مسؤولي المجموعة الاقتصادية، ومحذراً من القلق الذي يخيم على القطاع الخاص من إمكان خفض قيمة الدينار، فهل يخرج أي مسؤول اقتصادي رفيع يبدد هذه التخوفات ويزيل اللبس مما يضع كثيراً من النقاط الغامضة في نصابها ويخفف نسبياً من حالة الهلع.

وأشار الملا إلى أن الأزمة تضرب حالياً كل مكونات الاقتصاد وليس سوق الأسهم فقط، بل تشمل العقار وقطاع التجزئة بمختلف قطاعاتها  والبورصة أكبر المتضررين.