لا قيمة إطلاقاً لخطوة "فلول" الإخوان المسلمين بإعلان "فكِّ" ارتباطهم بـ"إخوان مصر" وبالتنظيم الدولي أيضاً، والسبب هو أنهم قد فقدوا ما كانوا يعتبرونه شرعيتهم في الأردن، إذ إن هناك من خرجوا من بين صفوفهم وبادروا إلى تصحيح أوضاعهم، فأصبحوا هم التنظيم الشرعي لـ"جماعة" بقيت مدللة الدولة الأردنية عقوداً طويلة، وحصلت على ما لم يحصل عليه أي حزب آخر، حتى بما في ذلك التنظيمات التي تم تشكيلها بقرارات رسمية، وفشلت في أن تكون الأحزاب الحكومية المطلوبة.

Ad

 هذا هو أحد الأسباب، وهو سبب جوهري، أما السبب الآخر فهو أنه لم تعد هناك للإخوان المسلمين حاضنة كمرجعية تنظيمية وسياسية في مصر، لأنَّ "الإخوان" المصريين لم يستطيعوا التكيف مع مستجدات الأوضاع المصرية ويندمجوا في الحياة السياسية كحزب معارض، يسعى للعودة إلى الحكم الذي فقده لعدم قدرته على قيادة دولة بكل مشاكلها وإشكالاتها ومتطلبات شعبها، ولأنهم بدل كل هذا بادروا إلى الالتحاق بـ"داعش" تحت اسم "أنصار بيت المقدس"، وأصبحوا تنظيماً إرهابياً صب جام غضبه حتى على الأبرياء من أبناء الشعب المصري.

مشكلة الإخوان المسلمين أنهم، بحكم تكوينهم الذهني والسياسي الذي هو أقرب إلى العنف والإرهاب منذ البدايات المبكرة في زمن حسن البنا، لم يستطيعوا أن يكوّنوا حزباً سياسيّاً برامجيّاً يتمتع بالمرونة الكافية ليتكيف مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلدان العربية وغير العربية التي له فيها وجود فعلي، ولذلك فإنه بقي يدور في الحلقة الأولى التي بدأ فيها، وبقي يتعامل مع ما قاله "المؤسِّس" وكأنه منزل من السماء، ولهذا بقيت ذهنيته ذهنيةً إرهابية بحيث لم يجد طريقاً إلا طريق العنف عندما انسدَّت الآفاق أمامه.

لم يستطع الإخوان المسلمون، في الأردن وفي بلد الأساس والمنبت مصر وفي كل مكان، إدراك أن ظاهرة الأحزاب الدولية والأممية... وأيضاً القومية قد انتهت مع نهايات القرن الماضي، وأن تطور المجتمعات في هذه المنطقة العربية وفي غيرها بات يقتضي ويتطلب زوال كل الصيغ السابقة لحساب بديل ضروري هو الأحزاب الوطنية البرامجية الواقعية التي تتعامل مع واقع دولها وشعوبها ولا تتعلق بالأوهام وتبقى تطارد السراب إلى ما لا نهاية.

كان على الإخوان المسلمين أن يتعلموا من تجارب الآخرين وأن يدركوا معنى انهيار الاتحاد السوفياتي وزوال الأحزاب الماركسية– اللينية الأممية، ثم كان عليهم أن يدركوا تلاشي ظاهرة الأحزاب القومية كحزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم في اثنين من أهم الأقطار العربية، العراق وسورية، وكحركة القوميين العرب التي حكمت في اليمن الجنوبي أو في جنوب اليمن، وكالحركة الناصرية التي فشلت في مصر والتي امتدت امتداداً مشوهاً إلى جماهيرية القذافي التي بدأت أُضحوكة تاريخية، وانتهت أُضحوكة تاريخية.

على الإخوان المسلمين، في الأردن وعند غيرنا، أن يفهموا ويدركوا أنهم انتهوا كظاهرة تاريخية كما انتهى حزب البعث وانتهت حركة القوميين العرب والحركة الناصرية وانتهت الأحزاب الأممية الشيوعية، وعليهم إما أن يتلاءموا مع متطلبات القرن الحادي والعشرين، وأن يمتلكوا الشجاعة الكافية ليبادروا إلى حلِّ تنظيمهم، وإما الالتحاق بإخوانهم في "زمزم" أو تشكيل حزبهم البرامجي الوطني الأردني... أمَّا الاستمرار في التشبُّت بماضٍٍ لن يعود إطلاقاً فإنه الإفلاس بعينه الذي سيكون "أُضحوكة" التاريخ الآني والتاريخ القريب والبعيد.