تجمع محبو الكاتب والشاعر الراحل زهير الدجيلي وأصدقاؤه، بعد مرور أربعين يوماً على رحيله، لتأبينه ولتذكُّر مآثره.

Ad

أقيمت أمسية تأبينية للكاتب والشاعر العراقي الكبير زهير الدجيلي في مقر جمعية الخريجين الكويتيين، أمس الأول، بتنظيم من لجنة الصداقة الكويتية - العراقية.

وحضر الأمسية عدد من الشخصيات الثقافية والسياسية، منهم النائب السابق عبدالله النيباري والكاتب عبدالمحسن مظفر والأديبة ليلى العثمان وغيرهم.

قدمت الأمسية إيمان حسين التي تناولت مآثر حياة الراحل زهير الدجيلي، وما شكل للأغنية العراقية من مرحلة جديدة، عبر كلمات مفعمة بالأمل والفرح، رغم أنها تحمل بين ثناياها الشجن العراقي المهووس بالاشتياق والحنين للوطن والأهل والأحباب، كأغنيته «الطيور الطايرة»، وأغنية «البارحة» و«نجوى» و«الهودنه» و«مغربين» و«صار العمر محطات» وغيرها من الإشراقات التي أضاءت سماء الأغنية العراقية.

وتابعت أن الدجيلي عندما رفض الظلم ناضل ضد الاستبداد الذي حل بالعراق وشعبه، وحط ركابه في الكويت التي احتضنت أيضا الفنان الراحل فؤاد سالم وغيره من المبدعين العراقيين، وبقي وفيا حاملا معروفها رافضا بكل قوة غزو صدام للكويت، ومن ثم أخذ يدافع عنها بطريقته حيث أسس إذاعة موجهة مع الإعلامي إبراهيم الزبيدي، ثم انضم إليها الفنان الراحل منصور المنصور وحسين المنصور وفؤاد سالم، وبقي مناضلا حتى تحرير الكويت، مقارعا النظام الصدامي.

قصيدة الدجيلي

وكان أول المتحدثين من الحضور صديقه عبدالرزاق خيون، الذي قال عنه إنه عالم كامل متنوع الإبداع والمواهب ومتعدد القدرات، عايشه منذ أن كانا أبناء مدينة الشطرة وبعمر متقارب، ففي بداية خمسينيات القرن الماضي بدأ الدجيلي مسيرته النضالية والشعرية، متأثراً بتلك البيئة، والمدينة السومرية التاريخية التي لم تعر التعصب والتكاره، وهي حاضنة للغرباء، فكان لها التأثير الأول، إضافة إلى مدينة الناصرية، على بناء القصيدة الدجيلية، التي تتفرد بروعة العبارة وجمالية الصورة وبرقة الأحاسيس وسمو الخيال.

وكان من أكثر الناس قرباً من العمل الفلاحي، والتفاعل مع مشاكل الفلاحين وهمومهم، كما تأثر بالمرأة في حياته، فأمه شاعرة وقوالة وهازجة للشعر، وزوجته أم علي مدرسة لغة عربية، يذكرها حتى في أواخر أيامه بأنها ملهمته ومستشارته وناقدته، فجاءت قصيدة الدجيلي مبنية على ثلاثية المرأة، النضال، وحب الوطن.

الإنتاج البرامجي

ثم اعتلى المسرح، المدير السابق لمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية إبراهيم اليوسف، الذي أكد أن الراحل قدم لوطنه أكثر مما قدمه في الفن والشعر، وكان معارضا للنظام الهمجي البعثي بشكل موضوعي، رافضاً حتى تجديد جوازه لدى سفارة النظام.

وأضاف اليوسف أن المؤسسة كانت تبحث عن كتاب متميزين عند إنشائها في 1976، ومن بينهم الدجيلي، وتم البدء بكتابة البرنامج التربوي «افتح يا سمسم» عام 1977، الذي يتكون من 130 حلقة تلفزيونية، وشارك الدجيلي بكتابة ثلث مشاهد البرنامج، إضافة إلى مجموعة من أغنياته حيث شعره يتميز بالسلاسة ولطف الكلمات.

ثم أنتجت المؤسسة البرنامج الصحي التوعوي «سلامتك» الذي ساهم في كتابة بعض حلقاته وكلمات الأغنيات، بعدها أخذت مجموعة من الروايات الكويتية لكتابة مسلسل «للحياة وجه آخر»، وكان الدجيلي مشرفاً على ترتيب الحلقات الدرامية وعددها 13 حلقة، كما أشرف على عمل عن الزراعة في المنطقة بالاتفاق مع وزارات الزراعة الخليجية، لكنه لم ينفذ لمشاكل في الأبحاث وظروف فنية.

 وتابع اليوسف بأنه كان يستشيره في بعض الكتابات الفنية في برامج المؤسسة.

عــــــــــرض فيلــــــــم قصيـــــــــــــر مدتـــــــــه 6 دقائق من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك، تقديرا للكاتب المبدع زهير الدجيلي، يتناول أعمال الراحل معها بشكل مركز، من بينها «افتح يا سمسم» و«أرضنا والغذاء» و«قف» و«سلامتك»، إضافة إلى إحدى أغنياته لبرنامج «افتح يا سمسم» بعنوان «أطفالاً نخرج إلى الدنيا».

العلاقة الأخوية

وانتقل الحديث إلى أحد رموز صداقاته عبدالمحسن مظفر الذي وجه حديثه في البداية إلى زوجة الراحل أم علي، «أنت الإنسانة الصابرة التي وقفت مع هذا الإنسان الرمز الشامخ في الثقافة العربية، في أصعب أيام حياته، لك أنت يا سيدتي كل الشكر والتقدير، وما رثاؤنا إلا محاولة لإعطاء هذا الرمز الشامخ جزءا مما يستحقه علينا، بعد هذا الجهد العظيم الذي بذله في سبيلنا نحن».

ومضى مظفر بالقول إن الدجيلي كان يحمل هماً في قلبه، ويحاول أن يشركنا فيه بكل إصرار ومثابرة، حيث همه الأساسي أن يعيد العلاقة الأخوية الصادقة بين الشعبين الكويتي والعراقي بعد الدمار الذي أصاب هذه العلاقة بسبب الغزو والاحتلال، ولم يكن هذا الأمر سهلاً على الإطلاق، بدأ زهير مع مجموعة من أصدقائه الكويتيين والعراقيين بإنشاء جمعية الصداقة الكويتية العراقية، التي لها دور في تلطيف الأجواء وفي إعادة الألفة والوئام بين الكويتيين والعراقيين، ولم يكتف بذلك بل سعى إلى إنشاء موقع إلكتروني هو «الجيران» الهدف منه تغطية كل الأخبار والموضوعات المتعلقة بالعلاقة بين الشعبين العزيزين، ومحاولة متابعة كل ما يطرأ في القطرين من أحداث، بهدف إعادة دمجهما بروح أخوية حقيقية صادقة.

أما عامر التميمي فقد تحدث عن علاقة الصداقة التي جمعته بالراحل، إذ تعرف إليه عن طريق الاستشاري د. نبيل رياض، ثم توطدت العلاقة إلى عائلية بالتزاور، مضيفاً أن الراحل ينتمي إلى مدرسة اليسار، لكنه يختلف عن الكثير من اليساريين بأن لديه مرونة فكرية، وكان يعتقد أن التعامل مع الأمور يتم بعقلانية وموضوعية، لم يؤمن بأن الفكر السياسي يصبح مثل الديني مقدسا لا يناقش، وهو ما يذكره أيضاً بالراحل د. أحمد الربعي الذي يتسم بصفة العقلانية وعدم الجمود وعدم التفكير المقولب، فآفاقه تتسع.

وتابع التميمي: «كان الدجيلي من هذه المدرسة، التعامل مع الأمور بحلاوتها ومرارتها ومحاولة الوصول إلى نتائج واقعية».

وذكر أن الدجيلي عندما حدث الغزو أراد الخروج من الكويت لأن القوات العراقية تبحث عنه، فتم تأمين خروجه إلى السعودية بمساعدة نسيبه المخرج محمد سعود المطيري، حيث أنشأ هناك إذاعة العراق الحر كمحطة موجهة بدعم من السعودية والكويت.

من جهته، تطرق السفير الكويتي لدى بغداد السابق علي المؤمن إلى صفحة إنسانية من حياة الراحل، إذ شاءت الأقدار بعد تقاعده من رئاسة الأركان العامة في الجيش الكويتي أن يكلف بمركز العمليات الإنسانية لرفع المعاناة عن الشعب العراقي أثناء حرب تحرير العراق، وخلال استلامه المركز التقى بشخصيتين عراقيتين هما إيمان حسين التي كانت مهتمة بالجانب الإعلامي فيما يتعلق ببعض المحطات العراقية، والراحل الدجيلي، وبعد التعامل معه اكتشف أنه ثروة لأداء عمله الإنساني، ولديه روح كويتية لاهتمامه بمصلحة الكويت مثل العراق، فاستعان به لرأيه السديد لإيصال المساعدات إلى المحتاجين، وفي تلك الفترة أمر صاحب السمو الأمير بمساعدة مالية قدرها 5 ملايين دينار كويتي، فطرح جانبا من البنية الأساسية مثل الكهرباء وبناء 17 مدرسة ريفية ومستشفيات ميدانية، وفكرة بناء مجمع سكني كويتي كوقف ورمز، حجة وقفية تضمن لليتيم والأرملة الاستفادة منها.

أما الزميل الصحافي حمزة عليان فطالب بعمل كتاب عن ابن المهنة الصحافية، بدعوة كل أحبة زهير بتوثيق أعماله وإصدارها في كتاب أو أكثر، لما يستحقه فعلاً وليس فقط رثاء، وأبدى استعداده للمساعدة في هذا الإطار، مشيراً إلى أن الراحل بدأ في مهنة الصحافة منذ عام 1950، فهو مهني من رأسه إلى أخمص قدميه، وباحث يلتزم بأصول العمل البحثي، وأثناء تواجده في الكويت عمل في جريدة القبس وأيضاً في «الطليعة» و«الزمن» وتبوأ العديد من المناصب من محرر إلى رئيس تحرير، وشاء القدر أن يرحل عنا وهو كاتب وصحافي.

وفي الفقرة الأخيرة من الأمسية غنى الفنان فيصل خاجة «الطيور الطايرة» للفنان سعدون جابر، وهي من كلمات الدجيلي وألحان كوكب حمزة، ثم أدى فيصل الظاهري «مغربين».

فكر انفتاحي

قال عبدالله النيباري «إننا نفتقد في غيابه هامة كبيرة وعظيمة بغزارة فكرها الانفتاحي، والتزامه بخط وطني تقدمي، الذي يميل إلى اليسار بمعناه الحالي».

 وتابع «إننا نمر الآن في مرحلة هجين ثقافي، والأطفال لا يتحدثون العربية خاصة من ولدوا في الألفية الثانية، فهم في خطورة في التعامل مع مجتمعه لغة وحضارة وتاريخاً، وبالتالي فمثل برنامج «افتح يا سمسم» نحن في أمس الحاجة إليه، إذ بذل فيه زهير كل جهده وأعطى عصارة فكره».

ونوه النيباري إلى ملف منحه الجنسية، لتيسير أمور حياتية، لكن يبدو أن هذا الملف قد تعطل رغم أنه كان يحظى بالتعاطف من الديوان الأميري، وكان المفروض مع أحد الأصدقاء السعي نحو استكمال الموضوع، لكن فوجئنا بمداهمته المرض وهو في مرحلة متأخرة، فتوقفت هذه المسألة.