كويتي... بنغالي... إيطالي... فرنسي!
أعلنت وزارة المالية الأسبوع الماضي، على لسان وزيرها أنس الصالح، الموازنة الجديدة للدولة للسنة المالية 2017-2016، بعجز يفوق 12 مليار دينار، وفقاً للأرقام الحكومية التي علمتني التجارب ألا آخذها كحقائق مسلم بها، المهم أن هذه الميزانية لا تشمل إيرادات الدولة من الاستثمارات الخارجية، والتي يقدرها البعض بأنها مقاربة لأرقام دخلها من النفط، وهي معلومة لا يستطيع أحد أن يؤكدها أو ينفيها، لأن استثمارات الكويت السيادية صندوق أسود غير قابل لكشف محتوياته.كما أن وزير المالية، وهو يصرح عن الميزانية، لم يوضح إذا كانت الحكومة ستستمر في خصم نسبة العشرة في المئة من الإيرادات النفطية لمصلحة احتياطي الأجيال القادمة أم ستطلب بقانون تجميدها حتى تتعافى أسعار النفط والموازنة العامة للدولة.
اللافت في كلام الوزير الصالح هو تركيزه على إعادة إحياء برامج الخصخصة وتسريعها، وهو توجه غريب في ظل تراجع الأسواق العالمية والأزمة الاقتصادية وأوضاع سوق الكويت للأوراق المالية المزري، فهل من الحصافة الاقتصادية أن يتم عرض برامج تخصيص وبيع لأصول للدولة في مثل هذه الظروف؟! كما أن تجربة الكويت في الخصخصة لم تكن مشجعة على الإطلاق، سواء في جانب تحسين الخدمات وتقليل كلفتها أو في توظيف العمالة الوطنية الذي يعتمد القطاع الخاص كليا في توظيفه للكويتيين على بدل دعم العمالة الوطنية المكلف على ميزانية الدولة، وها هي تجربة خصخصة محطات تزويد الوقود مثال واضح على فشل برامج التخصيص، فماذا تغير في محطات الوقود سوى شبه احتكار للخدمة، وتغيير صبغ المحطات، واختفاء العمالة الكويتية فيها لمصلحة الآلاف من العمالة الآسيوية من بنغلادش والهند لتقليل الكلفة على المستثمر وتحقيق أرباح كبيرة له.وفي المقابل تخلصت الدولة من رواتب بضع مئات من الكويتيين، بينما جلبت الجهات التي اشترت خدمة حيوية الآلاف من العمالة الآسيوية التي تستخدم كل مرافق البلد من طرق ومراكز صحية ومستشفيات ومطار... إلخ، إضافة إلى تحويل رواتبها إلى خارج البلد، وكذلك كلفة الأمن والتأثيرات الاجتماعية لتلك العمالة ذات التأهيل العلمي والفني المتدني، فمن الذي ربح ومن الذي خسر من عملية التخصيص المنفلتة تلك؟ إنه المستثمر فقط مقابل خسارة الدولة والمجتمع.وبينما تتحدث الحكومة عن التخصيص، فإنها لا تتكلم عن أملاكها المقدمة للأنشطة غير المنتجة والمؤثرة إيجاباً على التنمية، مثل "المولات" وخلافه التي تقوم أنشطتها على البضائع والخدمات الكمالية، فلماذا تقدم الدولة أراضي وكهرباء وماء بأسعار مدعومة لمحلات تبيع ساعات وملابس وأكسسوارات أوروبية بأسعار كبيرة، ومقاه دولية لتدعم صانعها الفرنسي والإيطالي والسويسري والأميركي؟!ألا يتطلب أن تفكر الحكومة في المواطن الكويتي أولاً قبل أن تخصص مرافقها ليستبدل المواطن بالأجنبي، وأن تسعى إلى تعظيم إيراداتها بإعادة تسعير أراضيها وخدماتها بالقيمة العادلة للمتاجرين بالسلع والخدمات الكمالية، لتحقق العدالة والمصلحة الاجتماعية أم ستظل دائماً في مخيلتها مصالح فئة معينة فوق الجميع... ولا تُمس!