عندما تهون الحياة... زخرفها

نشر في 01-03-2016
آخر تحديث 01-03-2016 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي عاد الزمان يحمل رايات العز، وعاد شهر فبراير وازدانت الديرة وصدحت في أركانها القصائد وأناشيد الحب والولاء لهذا الوطن الغالي، وعادت إلى الخاطر لقاءات يأبى الزمان أن يغيبها، فقد غدت جزءاً عزيزاً من الذاكرة يشعرني بالفخر والحمد لرب العالمين لانتمائي إلى هذا الوطن الغالي، وتلحّ على الخاطر في هذا المقام ذكرى لقاءات مع فرسان وقادة حرب التحرير.

 فقد تشرفت بلقاء سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، وذلك بعد بضعة أشهر من التحرير، دخلت على سموه في مكتبه في قصر بيان، فطلب مني أن أسحب كرسياً كان بجانب مكتبه، ثم دنا، رحمه الله، حتى لم تعد تفصلني عنه إلا مساحة قصيرة، وقال بلهجته الكويتية المحببة، وهو مطرق الرأس "سعادة السفير أبيك تقول لي شنهو اللي صار بالجزائر أثناء الغزو والاحتلال، فبدأت بسرد الأحداث كما عايشتها على مدى شهور الاحتلال السبعة، والتي قاسينا فيها الكثير من الظلم والتجني، فكان هناك سباق محموم بين الأحزاب الجزائرية لدعم النظام العراقي في عدوانه على دولة الكويت، وكان أشدها ضراوة في العداء ودعم العدوان الأحزاب الإسلامية.

أما الإعلام فكان انحيازه واضحا يطغى عليه الجانب المادي، أما الحكومة الجزائرية التي كانت قد أصدرت بيان استنكار للعدوان في أول يوم وقع فيه، فقد سعت جاهدة لتؤدي دور الوسيط مع الرغبة في أن تستمر أزمة الاحتلال لأطول مدة ممكنة طالما كانت أسعار النفط مرتفعة؛ مما يتيح للجزائر تحقيق مداخيل عالية، كان سموه، رحمه الله، ينصت بعمق وتفكير، وبعد أن أنهيت حديثي قال بلغة الواثق "إن شاء الله حوبة الكويت ما راح تتعدى كل من وقف ضدها... كفيت ووفيت"، كانت تلك الكلمات أوسمة وأنواطاً أعتز بها.

 أما اللقاء الثاني مع سموه فقد كان بمناسبة الاستئذان للمغادرة لتسلم مهام عملي لرئاسة البعثة الدبلوماسية في اليمن، وقد استمعت من سموه، رحمه الله، توجيهاته بكلمات مختصرة وواضحة "سعادة السفير إنت رايح تبني جسورا تهدمت فلا تنظر للخلف، ستمارس العمل في مجتمع ما زال البعض منه يتمسك بأفكاره وأيديولوجياته، فلا يستفزك مقال أو رأي". كانت كلمات صادرة من قلب قائد أسكن حب الكويت وأهلها في وجدانه، رحمه الله وطيب ثراه وذكراه.

ومن فرسان حرب التحرير الذين تشرفت بلقائهم كان سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فقد قام سموه بالأسابيع الأولى للغزو والاحتلال بجولة في دول شمال إفريقيا العربية، شملت المغرب وتونس وليبيا ثم مصر والجزائر، حيث كنت أتولى رئاسة البعثة الدبلوماسية هناك، وقد عقد سموه، رحمه الله لقاء ثنائياً مع رئيس الوزراء الجزائري في ذلك الوقت السيد مولود حمروش، ولم يكن سموه مرتاحاً لذلك اللقاء، في اليوم التالي توجهنا من مدينة الجزائر العاصمة إلى مدينة وهران، حيث عقد سموه لقاء مع الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد والذي خلا من اللياقة الدبلوماسية من الجانب الجزائري، من ناحية أخرى وأثناء جلوسنا مع سموه، رحمه الله، في مقر إقامته في "قصر الميثاق" في مدينة الجزائر طرح أحد أعضاء الوفد المرافق المكون من الأخ الفاضل ناصر الروضان، والمغفور له بإذن الله المرحوم عبد اللطيف البحر والأخ العزيز خالد الحجرف، فكرة القيام بزيارة "تونس" والتي كانت شوارعها تشهد مظاهرات حاشدة تأييدا لنظام صدام حسين، في البداية لم يجد هذا الاقتراح صدى طيبا لدى سموه، ولكن بعد تفكير قصير أمرني بمتابعة الموضوع لمعرفة إمكانية القيام بتلك الزيارة، وبناء على ذلك قمت بالاتصال بسعادة السفير في ذلك الوقت الأخ العزيز عبدالمحسن الجيعان الذي أبلغني أن الرئيس علي زين العابدين يصرّ على قيام سمو الأمير الوالد بزيارة لتونس، وقد تمت تلك الزيارة، بعد ذلك طرح سموه فكرة زيارة "ليبيا" بعد تونس، وبعد إجراء الاتصالات مع سعادة السفير الأخ الكريم عبد العزيز الدعيج الذي أبلغني أن العقيد القذافي سيقوم بإنزال طائرة سموه بالقوة إذا لم يقم بزيارة ليبيا، وبناء عليه تم الترتيب لتلك الزيارة، بعد التحرير وبعد عودتي من الجزائر ذهبت لسموه في مكتبه في قصر بيان، وما إن دخلت على سموه حتى قال ملوحاً بيده الكريمة "مناضل سفيرنا... مناضل" كانت كلمات أشعرتني بفخر واعتزاز وما زالت ذكراها راسخة في الأذهان.

هذه بعض ذكريات تلك الأيام مع قادة هانت الحياة أمامهم بكل زخرفها فداء للكويت وأهلها، فكان التحرير الذي احتفلنا قبل أيام بذكراه، والذي أتمنى أن يدرك هذا الجيل معناه ومدى ما قاساه الوطن وأهله على مدى سبعة أشهر تعادل الدهر كله، فلله الحمد والمنة والرحمة والمغفرة لشهدائنا الأبرار.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top