«التمييز»: حرية سفر الفرد حق دستوري ومنعه استثناء ورد صراحة في القانون
• «المشرّع حدد حالات المنع وفق قوانين الأموال العامة»
• الحكم يفتح قانونية قرارات النيابة العامة والتحقيقات بمنع سفر المتهمين
أكدت محكمة التمييز في حكم بارز لها عدم سلامة الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الجنائية بتقرير منع السفر للمحكومين في القضايا، على اعتباره أحد التدابير اللازمة لوضعه بحسن السير والسلوك.
• الحكم يفتح قانونية قرارات النيابة العامة والتحقيقات بمنع سفر المتهمين
أكدت محكمة التمييز في حكم بارز لها عدم سلامة الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الجنائية بتقرير منع السفر للمحكومين في القضايا، على اعتباره أحد التدابير اللازمة لوضعه بحسن السير والسلوك.
قالت «التمييز» في حيثيات حكمها البارز، إن «حرية الفرد في السفر والتنقل حق دستوري لا يجوز المساس به إلا على سبيل الاستثناء، ووفقاً لأحكام القانون»، لافتة إلى أن القانون حدد حالات منع السفر وفق قانون حماية الأموال العامة رقم 1 لسنة 1993، والقانون رقم 88 سنة 1995 بشأن محاكمة الوزراء، وقانون المرافعات المدنية والتجارية فقط».ويفتح حكم «التمييز» الجنائي باب التساؤلات حول قانون أوامر منع السفر التي تتخذها جهات التحقيق في النيابة العامة والإدارة العامة للتحقيقات، لكونها لم ترد ضمن نصوص قانونية واضحة تعطي التحقيق الحق صراحة بالمنع من السفر للمتهمين في القضايا.
التوسع بالتدابيرويضع الحكم الصادر حداً للأحكام القضائية الجنائية الصادرة بمنع سفر المحكومين جنائيا أو وضعهم تحت الرقابة، أو سحب جوازات سفرهم بالتأكيد على أنها غير قانونية وتخالف الدستور، الذي حفظ للمواطن الحرية في السفر، والحق بالتنقل، وعدم جواز التوسع بالتدابير من قبل المحاكم الجنائية... وفي ما يلي نص حيثيات حكم «التمييز».أكدت محكمة التمييز في حيثيات حكمها أن النص بالفقرة الأولى من المادة 81 من قانون الجزاء قد جرى على أنه «إذا اتهم شخص بجريمة تستوجب الحكم بالحبس، جاز للمحكمة، إذا رأت من أخلاقه أو ماضية أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أو تفاهة هذه الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام، أن تقرر الامتناع عن النطق بالعقاب، وتكلف المتهم تقديم تعهد بكفالة شخصية أو عينية أو بغير كفالة، يلتزم فيه بمراعاة شروط معينة، والمحافظة على حسن السلوك خلال المدة التي تحددها، على ألا تجاوز سنتين، وللمحكمة ان تقرر وضعه خلال هذه المدة تحت رقابة شخص تعينه، ويجوز لها أن تغير هذا الشخص بناء على طلبه، وبعد إخطار المتهم بذلك». وأضافت «كان يبين من هذا النص أن المشرع يهدف من تكليف المتهم الذي تقرر المحكمة الامتناع عن النطق بعقابه تقديم تعهد بكفالة أو بغيرها، ومراعاة شروط معينة، هو حثه على أن يحافظ خلال المدة التي تحددها المحكمة على حسن السلوك، وعدم العودة الى الإجرام حتى تعتبر إجراءات المحاكمة السابقة كأن لم تكن».الامتناع عن النطق بالعقاب وأوضحت «كان المشرع لم يعين في هذه المدة الشروط التي يلتزم المتهم بمراعاتها، انما ترك لمحكمة الموضوع سلطة تحديد ما تراه من هذه الشروط كفيلاً بتحقيق الغاية منها، على ضوء ما تستخلصه من ظروف المتهم وطبيعة ما ارتكبه من جرم، والظروف التي ارتكب فيها جريمته». إلا أن حد ذلك أن يكون تقدير المحكمة لتلك الشروط سائغاً وصحيحاً، بحيث لا تنطوي على أي عقوبة أصلية، بعد أن تقرر الامتناع عن النطق بالعقاب، أو أن تخالف هذه الشروط أو أحدها القانون أو النظام العام والآداب، أو أن تتعسف المحكمة فيما تلزم المتهم بمراعاته من شروط أو تبالغ فيها بحيث تجافي الاقتضاء العقلي والمنطقي، أو الحكمة التي تغيّاها المشرع من النص عليها.وقالت «التمييز» في حكمها إن «الباب الثالث من الدستور الكويتي والخاص بالحقوق والواجبات العامة ان المشرع الدستوري قد ارتقى بالحرية في الإقامة والتنقل في مدارج المشروعية، ورفعها إلى مصاف الحقوق والحريات العامة، فجعل من حرية السفر والتنقل داخل البلاد وخارجها، بوصفها أحد مظاهر الحرية الشخصية، حقاً دستورياً مقرراً للفرد لا يجوز المساس به دون مسوغ أو الانتقاص منه بغير مقتضى، ولا أن يتخذ من تنظيم هذا الحق ذريعة للعسف أو التغول عليه». وقالت المحكمة إن «الدستور أحاط هذه الحرية بسياج قوي من الضمانات التي تكفل حسن رعايتها وتمام ممارستها على أكمل وجه، بأن حظر وضع قيود عليها الا في أضيق نطاق، وعلى سبيل الاستثناء، فلا يجوز- عملا بالفقرة الأولى من المادة 31 من الدستور تقييد حرية أحد في التنقل أو السفر إلا وفق أحكام القانون الذي يصدر من المشرع العادي بتنظيم إجراءات وضوابط هذا التقييد، وبما لا يمس هذا الحق أو ينتقص منه أو يعطله دون مقتضى من المصلحة العامة للمجتمع والدولة».إجراءات تحفظيةوأضافت «نظراً لما يترتب على منع الشخص من السفر إلى خارج البلاد من آثار وأضرار تلحق به وتزداد جسامتها في بعض الأحوال، فقد أحاط المشرع هذا الإجراء- دون سائر الإجراءات التحفظية والوقائية التي نص عليها القانون- بالعديد من الضوابط والإجراءات، من أهمها أنه يتعين لإصدار أمر المنع من السفر أن يكون القانون قد نص صراحة على هذا الحق لمن يصدره- كما هو الحال في المادة 24 من القانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الأموال العامة، حيث نص فيها على ان للنائب العام اذا تجمعت لديه دلائل كافية بالنسبة لأحد الأشخاص على انه ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد 9، 10، 11، 12، 14، من هذا القانون أن يأمر بمنعه من السفر». وكذلك ما نص عليه فق الفقرة الثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 88 لسنة 1995 بشأن محاكمة الوزراء من انه يجب لصحة الأمر الصادر بمنع الوزير من السفر أن يكون صادراً من لجنة التحقيق مجتمعة، حتى لو باشر التحقيق واحد أو أكثر من أعضائها، ولا يختلف الحال في المسائل المدنية أيضاً، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 297 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أن «للدائن بحق محقق الوجود حال الأداء، ولو قبل رفع الدعوى الموضوعية أن يطلب من مدير إدارة التنفيذ أو من تندبه الجمعية العامة للمحكمة الكلية من الوكلاء بالمحكمة إصدار أمر بمنع المدين من السفر... كما نص في باقي فقرات هذه المادة 298 على إجراءات استصدار أمر المنع وشروط وكيفية التظلم منه وانقضائه». ولفتت المحكمة إلى أن المشرع كلما ارتأى أن هناك مسوغاً أو مقتضى لمنع الشخص من السفر أو تقييد هذا الحق الدستوري نص على ذلك صراحة في عبارة جلية واضحة لا لبس فيها أو غموض ولا تحتمل التأويل أو التفسير، ومن ثم فإنه لا يجوز في غير هذه الأحوال إصدار مثل هذا الأمر.وذكرت «كان الواضح من عبارات المادة 81 من قانون الجزاء المشار بيانها – أن المشرع لم يضمنها النص على حق محكمة الموضوع عند التقرير بالامتناع عن النطق بعقاب المتهم ان تضمن الشروط التي تلتزم الأخير بمراعاتها شرطاً بمنعه من السفر أو تعطيل هذا الحق، وقد كان في مقدرة المشرع إن رأي أن لذلك مسوغاً أو مقتضى أن ينص على ذلك صراحة، كما استطرد ونص في عبارة مستقلة من المادة ذاتها بأن للمحكمة أن تقرر وضع المتهم تحت رقابة شخص تعينه، وانه يجوز لها ان تغير هذا الشخص بناء على طلبه، وهو ما يفصح بجلاء عن أن عبارة شروط معينة التي وردت في النص المذكور لا تتسع لتشمل الأمر بالمنع من السفر أو أي إجراء آخر يعطله».وأوضحت المحكمة أن الحكم المطعون فيه بعد ان قرر بالامتناع عن النطق بعقاب المطعون ضده وتكليفه بتقديم تعهد بكفالة مالية قدرها ألف دينار، يلتزم فيه بالمحافظة على حسن السلوك مدة سنتين قد ألزمه- وخلافاً للنظر القانوني المتقدم- بشرطين هما:1- منعه من السفر مدة سنتين.2- تقديم جواز سفره لإدارة التنفيذ الجنائي بالنيابة العامة وعدم تسليمه له هذه المدة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.