أمرنا الله عموماً بالتأمل للحكمة والعبرة، وأرى أن المرأة ينبغي لها تأمل الإوزة خصوصاً، فمن دراما بركة الإوز تتزود المرأة بحكم أنيقة من نظيرتها الإوزة الرزينة، فهي مثلها كأم وزوجة وعضوة في مجتمع يعاتبها ويحاسبها، فلندخل إلى عالمها الاجتماعي من خلال ما يرصده علماء سلوكيات الحيوان، لنتأمل الإوزة الحليمة.
الإوزة، (بالعامية الوزة)، تمتنع عن الطعام إذا ابتعد زوجها عنها لسبب ما، فهي مشهورة بولائها له، فزواج هذه البجعة (طائرة الماء) يتم بعد إتقانها عادات مجتمعية تؤكد لكل السرب أنها ستوثق بميثاق الزواج الغليظ، فالعروس تتقدم لتفتح جناحها بهدوء، وتطأطئ رأسها لتدخله تحت الجناح المرفوع، بعدها تهز ريشها بلطف في اتجاه سعيد الحظ، على مرأى طيور السرب أجمعين، لتعم بشرى زفاف الاثنين. وبخلاف البط العشوائي تكون طيور الإوز أوفى الأزواج، فزواجها مثبت علمياً لمئات السنين، بأنه ليس فيه طلاق ولا تعدد، وكأنه زواج كاثوليكي، فالإوز يربي الأبناء ويؤدي الحقوق الزوجية بحرص، لذلك هم رمز الغرام والعشق السامي! مثل لون ريشه الأبيض والأسود، يكون حبه أبيض الصفاء ونظامه أسود الجدية.ولكن للأسف لاحظ الباحثون حالة طلاق في عالم الإوز، ففي بركة محمية سلمبريغ في لندن، هيأ الزوج نفسه لسفره (الموسمي) إلى روسيا على عادة نظرائه في غرب أوروبا، ليترك زوجته وحدها مع أفراخها في البركة، وهذا ليس جديداً عليها، فهي الصابرة التي تتحمل سفراته المتكررة.وما يخفف عنها ألم الفراق هو شعورها بوفائه وإيمانها بعودته مثل أقرانه سالماً غانماً، ولكنه هذه المرة عاد بزوجةِ روسيةٍ جديدة! وحينما هبط بركة الإوز كان السرب قد انتبه إلى ردة فعل الصبورة المجاهدة، فرأوا منها ردة فعل راقية، أولاً ابتعدت عنه وكبتت صوتها في تلافيف ريشها، وتسامت عن الانتقام منه، وبعدها تصرفت بذكاء، إذ أعدلت به الميزان، وبدون أي "طشطشة" وبدون أي نتف ريش، وبدون أي زبيط (صوت الإوز) استبدلته بزوج آخر! ولاحظ رسميو مركز "ذا وايلد ليف آند ذا ويت-لاند سينتر" أن كليهما امتنعا عن التواصل مع الآخر تماماً!فهي بسلوكها أوضحت لكل السرب براءتها منه، فلا يحق لهُ المساس بريشة من ريشها الأبيض، ولا يقترب من الأفراخ، وهيهات أن يراه أحد وهو عند عشها الجديد! فلقد صارت حَرما لغيره.يقول لنا العلم أن الإوزة إذا تزوجت من زوج جديد، فإنها تباشر عملية إخضاعه لامتحانات كفاءة، وفق ما أوحى الله لها به، كما أوحى لغيرها "وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ"، فالإوزة تختبر العريس الجديد بأن يُشاركها تربية عدد قليل من أفراخها، لفترة السنة الأولى من عقد القران فقط! فإن راق لها شرفتـه تشريفاً أعلى من ذلك، لتسمح له بمشاركتها تربية الباقي عسى أن يرتفع شأنه في السرب درجة تلو الأخرى. يبدو أن الإوز مثلنا نحن البشر "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ". الأنعام (38).في الختام حتى نسب الطلاق دخلت بركة الإوز، وليتنا نحن البشر نتعلم في خطوبتنا الحَياءَ مثل الإوز! ونتعلم في طلاقنا رقي التعامل مثله! وألا ندخل الأفراخ في دوامات مثل الإوز! ياليتنا نلتزم أدب بركة الإوز!
مقالات
أدب بركة الإوز
26-03-2016