"مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة"، و"أن تصل متأخراً خير من ألا تصل"، حكم وأمثال من الشرق والغرب لا أعلم مدى صحة الاستشهاد بها بعد نشر خبر التوجه الحكومي لاستثمار واستغلال الجزر الكويتية، وهل يصح أن نقول إنها الخطوة الأولى نحو مشوار "تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل للشباب"، وهي بداية متواضعة، وإن كانت متأخرة بعض الشيء! ثلاثون سنة أو نصف قرن تقريباً نسيت السلطة هذه الجزر، مثلما نسيت تقلبات أسعار النفط عدة مرات، ولم تتعلم من دروس سابقة في الثمانينيات والتسعينيات، وآخرها عام 2008، ونسيت الاستثمار البشري الحقيقي في التعليم، وتأهيل الإنسان الكويتي... ونسيت كيف تكون إدارة المرفق العام والشفافية المفروضة بسيره، ونسيت جرذان الفساد والهدر وكيف بنت قصورها وقلاعها بمؤسسات الدولة، وكانت عين القانون مغمضة عنها... حكايات ليس لها أول ولا آخر عن نسيان السلطة... حتى استيقظت بالأمس على قرع أجراس تهاوي أسعار النفط...! يا لها من ذاكرة ضعيفة.

Ad

ليس هذا وقت الشماتة والتشفي بأهل القرار، كي نسألهم "وينكم من زمان؟"، وكم كانت تبعد عنكم إمارة دبي ودولة الإمارات؟ وأين كنتم من الجزر المنسية والانفتاح التجاري وخلق قطاع خاص مستقل بذاته وفق قوانين ولوائح متجردة وليست مفصلة على مقاس البعض، وليس قطاعاً يرضع من ثدي الدولة، يعيش على نفقتها وأريحيتها...؟ ليس هذا وقت الشماتة لأن المواطن المتوسط الحال وأبناءه التائهين في ظلام اليوم هم من سيدفع الثمن، وليس جماعات حسابات بنوك سويسرا، وملاك الفلل الضخمة في باريس ولندن.

لنعد لقرار استغلال الجزر، وأتمنى أن تكون "الخطوة الصح" في دروب تنويع مصادر للدخل، رغم أن مقولات وحكماً قديمة تقرر بأن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن من فشل في الإدارة بزمن "البندروسا"، أي البحبوحة، لن يكون صالحاً في زمن العسر، تظل كل تلك المقولات تدوي بطنين القلق المزعج في رؤوسنا، فأسئلة من شاكلة: من سيضمن أن إدارة مناطق الاستثمار بالجزر التي ستتركها الدولة للخاص ستكون صالحة؟ ومن سيضمن عدم تدخل مؤسسات الفساد والبيروقراطية المتهالكة في عملها؟ فنحن نتذكر المنطقة الحرة بميناء الشويخ كيف كانت في البداية، وكيف أضحت اليوم مربعاً للنفايات والإهمال... فمن كان المسؤول عن مثل تلك الفوضى والمزاجية في إدارة المرفق العام...؟!

استثمار الجزر ليس النهاية، هو مجرد لبنة صغيرة نحو بناء ضخم، إن عرفت السلطة كيف تضع أساساته... ليس هناك وقت للتردد والتسويف، واستمزاج رأي فلان وعلان، وتضبيط مصالح عوير وزوير، فبضاعتنا النفطية تهوي للقاع بكل لحظة تمر، ومعها تنمو أشباح العسر والفقر، وربما الجوع وغياب الأمن فلا تراهنوا على الزمن، فهو يجري لغير صالحكم.