يحتاج وضع البلاد إلى وقفة وطنية وإخلاص وتضحية بالغالي والنفيس لكي نسنده في أزمته، ولا يجوز التمترس خلف تاريخ الحكومة بالهدر والفساد وترك الوطن يضيع ونحن قادرون على مساعدته، بل إن الواجب يحتم علينا أن نقف بجد وشجاعة لكي تمر الأزمة أو نبدأ بوضع أسس أفضل للبقاء والتنمية لمستقبل أجيالنا.

Ad

ولا بدّ أن تتفتح الآفاق أمام حلول ناجزة وإن كانت مؤلمة حتى نتعدى هذه المرحلة، ولأضرب مثلا على مشكلة رواتب القطاع النفطي التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة فتحت شهية كل قطاعات الدولة الأخرى للمعاملة بالمثل عندما كان جيب الحكومة مثقوبا.

هذا القطاع مهم للكويت وعليه يقف عصب الحياة فيها، وهو النفط في كل مراحل إخراجه وتصنيعه وتسويقه، لكننا أمام حقيقة لا يريد أحد الاعتراف بها، وهي أن العاملين في هذا القطاع لم يعد أغلبهم يقوم بمهام عمله كما كان في السابق، وأن جل الأعمال تم تحويلها إلى شركات الخدمات النفطية التي تكاثرت في السنوات العشر الأخيرة، وصارت مهمة الكثير من مهندسي وفنيي القطاع مراقبة ما يفعله المقاولون.

كان الوضع مختلفا قبل ذلك، ولم يكن القطاع يرى مقاولين إلا عند إنشاء مصنع جديد ولفترة محدودة، أو عند قيام مركز أو مصنع بعملية الصيانة السنوية وبعدد محدود من الفنيين يستدعون لتقليص فترة توقيف العمل حتى يعود الإنتاج في أسرع وقت ممكن، كانت تكلفة المقاول عندها مبررة حتى نقلل من خسارة البيع والتصدير، لكن الوضع اليوم مختلف ويجب أن نعترف بذلك.

وأمامنا حلان ليختر العاملون في «النفط» أحدهما: إما تخفيض الرواتب وإزالة أي شحوم مكدسة في بنود المزايا وغيرها، وإما إيقاف أعمال المقاولين وإعادة الأعمال للعاملين بالقطاع كما كانت، وأعتقد جازما أن العاملين في القطاع يفضلون أن يعملوا لأن وضعهم الآن ترهل، وكثير من المهندسين والفنيين منزعجون من وجودهم في عملهم بدون أن يؤدوا عملا مفيداً. وأعتقد أن إيقاف أعمال المقاولات والخدمات النفطية سيوفر أموالا طائلة للكويت وسيعيد للقطاع خبرته التي يكتسبها من الممارسة.

بقية قطاعات الدولة تحتاج إلى قرارات صعبة، فبدلا من التلويح بالبديل الأعرج لا بد من البحث عن حلول تدخل الموظف الكويتي في خدمة وطنه بدل أن يكون البلد في خدمته، وأقصد هنا أن يتولى الكويتيون مهمة تفعيل الوظيفة العامة، وتولي وظائف الوافدين، خصوصا أولئك الذين أضروا بالوظيفة والخدمة وأساؤوا إليها، ومادام هناك على سبيل المثال نية، أرجو أن تكون صادقة، لتفعيل إجراءات البلدية وتسهيل خدماتها للمواطنين، فإن أعدادا مضرة موجودة بينها من الوافدين لا بد من التخلص منهم إذا أريد التخلص من الفساد، ولا مانع من جلب آخرين من البلد نفسه الذي ينتمي إليه المبعدون حتى لا نتهم بالعنصرية، حتى نبدأ تطوير البلدية على نظافة، ولن يتحقق تطوير البلدية ما لم تتخلص من المافيات المسيطرة عليها من داخلها ومن أعوانهم في مكاتب خارجها، ولا أقصد المهندسين فقط ولكنك تجدهم حتى في وظائف متدنية لكنها مسيطرة مثل مخازن الملفات وغيرها.

نستطيع مواجهة الأزمة، لكن لا بد من تولي الكويتيين لأعمالهم وإنجازها بالسرعة والدقة والأمانة، وسنوفر الكثير دون أن نمس الرواتب، بل إن نظام المكافأة على الأداء قد يزيد مع تحسن أداء الدولة.

كوادر الوظائف التي قُررت منذ 12 عاما تحتاج إلى مراجعة، وحل الديوان ومجلس الأمة لا ينهي مشكلة الكوادر إنما يؤجلها على أساس تطبيق البديل الأعرج على المستجدين، وكلنا نعرف أن الموظف الجديد سيقبل بالراتب المختلف مرغما وعلى مضض، لكنه ما إن يستقر في الوظيفة حتى تبدأ المشاكل، فليس هناك مدير أو مسؤول سيكون مرتاحا أن يدير مجموعة من الموظفين يقومون بالعمل نفسه وبحصلون على رواتب مختلفة، مشاكلها كثيرة وستعوق الإنتاج الذي نريده مضاعفا في الفترة الحالية والقادمة؛ لذلك لا بد من حل آخر وقرارات مزعجة لكن لا بد منها.

لم أسمع خلال الفترة الماضية ومنذ نزول أسعار النفط عن دخل البلاد من الاستثمار، وكم تعوض عوائد الاستثمارات من قصور دخل النفط، إذ سمعت أن دخلنا السنوي من الاستثمارات نحو تسعة مليارات دينار، فإن كان صحيحا فإن تصحيحا في نفقاتنا وزيادة في أدائنا لأعمال الحكومة، وتخفيفا من مزايا القياديين، تمكننا من أن نتجاوز المرحلة بدون خسائر كثيرة.