بغلاف مميز يليق بطبيعة أدب الرحلات الساخر، يستقبل كتاب «أوروبا بتوقيت إمبابة» القارئ، ويضع صوراً مصنوعة تدمج في كوميديا صارخة بين أماكن بعيدة جغرافياً، فيظهر برج إيفل معلم باريس الشهير واقفاً بين ثنايا واحدة من الحواري الضيقة لمنطقة الأزهر والحسين، وتنقل صورة أخرى مشهداً خيالياً لـ «الحنطور» (عربة بدائية لنقل الركاب يجرها حصان) يقف ينتظر ركاباً أمام الكولوسيوم الإيطالي الشهير في قلب روما، وإلى جوار بائع غير مكترث استقرت رائعة ليوناردو دافينشي «الموناليزا»، وحول إحدى عينيها المسحورتين ظهرت آثار لكمة قوية.

Ad

هكذا استهل محمود زكي رحلته كأحد أبناء مصر النامية، قرّر أن يتجول في أوروبا المتقدمة، ولكنه لم ينس التوقيت الرسمي لوطنه فكانت الرحلة بتوقيت إمبابة (أحد أحياء مصر الشعبية الشهيرة الذي كان موقعاً لكثير من المصانع التابعة للدولة وبؤرة للعمال في ستينيات القرن الماضي، ونالته العشوائية مع تخلي الدولة عن دورها واتجاهها لبيع القطاع العام وخصخصته في الثمانينيات والتسعينيات).

وفي مطلع كل فصل من فصول الكتاب الثمانية وضع المؤلف محمود زكي مقارنة لافتة، تظهر معلومات عن البلد الذي يتناوله في مقابل ما يراه العالم، حيث نجد البلد والانطباع الذي يكنه المصريون عنه بغض النظر عن مدى صحة معلوماتهم من عدمها، ولعل الأبرز في هذا المجال ما جاء في مقدمة الفصل الأول الذي تناول هولندا ومعلومات عن أنها ضمن أول عشر دول عرفت البرلمانات المنتخبة، وثاني أكبر بلد في العالم يصدر المنتجات الغذائية والزراعية، فضلاً عن أنها الدولة الأكثر سعادة في العالم عام 2011. على الجانب الآخر، رصد الكاتب انطباعات المصريين عن هولندا باعتبارها بلداً تشتهر بمخدر الحشيش ومشروب البيرة والبطاطا المقلية، كذلك فهي صاحبة المنتخب الذي أحرز في شباكه لاعب مصري اسمه مجدي عبد الغني هدف مصر الوحيد في بطولات كأس العالم أثناء تنظيمها في إيطاليا عام 1990.

بإشارة تنم عن وعي لافت، تناول الكاتب في الفصل الخاص بهولندا ذلك الموضوع الشائك المتعلق بالنفوذ الصهيوني، ورغم الإطار الكوميدي الذي يغلب على الكتاب، غير أنه في الفصل المتعلق بمدينة "أمستردام”، يشير إلى عدم صحة الصورة النمطية التي يصنعها العرب لصورة اليهودي في مخيلتهم متأثرين بالأعمال التلفزيونية التي تناولت الصراع العربي- الصهيوني، ويظهر فيها بصورة رجل سمين أقرع الشعر يضع طاقية صغيرة ويرتدي نظارة تنزل على مقدمة أنفه التي يستخدمها في الكلام أكثر من فمه.

وعلى الجانب الآخر، يلفت الكاتب إلى نفوذ طاغٍ لمتاحف الهولوكوست الموجودة في معظم بقاع أوروبا، معتبراً أن أمستردام تعتبر نموذجاً صارخاً للبروباغندا اليهودية، مشيراً على سبيل المثال إلى تجمع الآلاف أمام منزل طفلة يهودية اختبأت مع أسرتها لمدة عامين داخل منزلها خوفاً من نازية هتلر، موضحاً أن المنزل فارغ لا يضم سوى مكتبة داخلها باب سحري للوصول إلى الباب الثاني، ودون ذلك لا يوجد شيء آخر في المتحف.

فينيس

لم يقع الكاتب على مستوى آخر في فخ الانبهار بكل ما هو أوروبي كما هي عادة كل المسافرين إلى دول متقدمة، وفي الجزء المتعلق بمدينة فينيس بإيطاليا يشير الكاتب إلى أن التسويق الجيد هو الذي حول مدينة لا تضم ثمن آثار روما ولا نصف ثقافة إسبانيا أو جمال براغ، إلى أن تستقطب عدداً من السائحين يتجاوز ما حققته دولة مثل مصر التي اجتذبت 12 مليون سائح في قمة مجدها السياحي، بينما يقصد فينيس سنوياً نحو 29 مليون سائح، ويرى الكاتب أن المدينة راقية وجميلة لكنها ليست كما تنقلها الصور والفيديوهات الترويجية المختلفة، مرجعاً ذلك إلى الحفاظ على طابع المدينة والتسويق. ورغم الأسلوب المميز الذي استطاع به الكاتب أن يعرض زياراته بشكل مشوق وجذاب للقارئ فجمع بين اللغة "العامية” الدارجة والفصحى، فإنه لم يكن موفقاً في إضافة الصور إلى الكتاب، خصوصاً أنها لم تظهر بالشكل اللائق فنياً وكانت باللونين الأبيض والأسود فظهرت دون المستوى، بينما لم تكن ثمة حاجة إلى نشرها، لا سيما أن وسائل التواصل وشبكات المعلومات يمكنها بسهولة أن تنقل صور تلك الدول ومعالمها المختلفة.