وعد وخطر في الجزائر

نشر في 02-03-2016
آخر تحديث 02-03-2016 | 00:01
زادت التحديات الخارجية من تفاقم الوضع في الجزائر، وعلى وجه الخصوص أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ يونيو 2014 إلى استفحال النموذج الاقتصادي للبلاد، بالنظر إلى صناعة النفط والغاز التي تمثل تماما 97٪ من دخل الصادرات الجزائرية.
 بروجيكت سنديكيت بعد خمس سنوات من بداية ما يسمى بالربيع العربي، تبدد الأمل الذي ميز تلك الثورات في البداية إلى حد كبير، في كثير من الحالات تطورت الثورات إلى نزاعات داخلية وحشية وطويلة، مع عدم وجود حل في الأفق، وسط كل هذا الصراع، لم يول المجتمع الدولي اهتماما يذكر لدول مثل الجزائر، حيث تم خنق الروح الثورية في مهدها، لكن سيعود مصير الجزائر مرة أخرى على رادار العالم، وقريبا جدا.

في يوم 7 فبراير وافق البرلمان الجزائري على مجموعة جديدة من الإصلاحات الدستورية، من بينها عدم السماح بتولي منصب الرئاسة لأكثر من فترتين والاعتراف ببعض الحريات الأساسية. (الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة هو آخر زعيم على قيد الحياة منذ فترة حرب الجزائر ضد فرنسا من أجل الاستقلال، ويوجد في السلطة منذ 1999). وتهدف هذه الخطوات التي بدأت منذ عام 2011 إلى تعزيز المسار الديمقراطي في الجزائر، لكنها تعرضت لانتقادات على نطاق واسع بدعوى أنها غير كافية.

ومما لا شك فيه أن هذه الإصلاحات تأتي في وقت حساس تعاني فيه الجزائر عدم اليقين السياسي والاقتصادي، وقد أحدث "الإجماع" الذي كان من المفترض أن يجسد السياسة الجزائرية الشلل لسنوات عديدة على مستوى صنع القرار. ولم يظهر بوتفليقة المريض علنا منذ أكثر من سنة، وطرحت تساؤلات مهمة حول كيفية تنظيم الانتخابات الرئاسية  سنة 2019، فالجهود المبذولة على مدى السنوات الثلاث الماضية للحد من قوة أجهزة الأمن والمخابرات، في سبتمبر، دفعت بمحمد مدين، الذي كان رئيس جهاز المخابرات منذ عام 1990 للتقاعد، وهذا ليس سوى مصدر واحد ومظهر من مظاهر التوتر السياسي الداخلي.

وقد زادت التحديات الخارجية من تفاقم الوضع في الجزائر، وعلى وجه الخصوص أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ يونيو 2014 إلى استفحال النموذج الاقتصادي للبلاد، بالنظر إلى صناعة النفط والغاز التي تمثل تماما 97٪ من دخل الصادرات الجزائرية.

ويوحي تراجع عائدات النفط بأن الحكومة الجزائرية لا يمكن أن تحافظ على مجموعة واسعة من الإعانات التقليدية لضمان السلم الاجتماعي والحد من الاحتجاجات، في حين اضطرت الحكومة بالفعل إلى الزيادة في بعض الضرائب ورفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز، وإذا لم ترتفع أسعار النفط قريبا، فسيضطر قادة الجزائر إلى اتخاذ تدابير أكثر جذرية قد تعرض الاستقرار الاجتماعي للخطر.

ومن المؤكد أن بعض العوامل قد تساعد على درء الاضطرابات الاجتماعية، وهي ذكريات السكان من الحرب الأهلية الوحشية في التسعينيات،  والتي كان ضحيتها أكثر من 150000 شخص، لكن الذكريات تتلاشى مع مرور الوقت، ويفتقر الجيل الجديد من الشباب إلى الخوف نفسه من الصراع الاجتماعي الذي يشعر به آباؤهم وأجدادهم، وفي هذا السياق الاجتماعي، إذا استمرت الصعوبات الاقتصادية والاحتجاجات فإن الثورة قد لا تكون بعيدة المنال.

لتجنب مثل هذه النتيجة ينبغي على الحكومة الجزائرية العمل بسرعة على تنويع الاقتصاد، ولكن مثل هذا العمل المنسق سيكون صعبا في ظل البيئة السياسية الحالية، وخاصة على ضوء التركيز الحكومي على التحديات الأمنية في جوار الجزائر.

ونظرا للثورة في تونس، والحرب في ليبيا، وتمرد الطوارق في مالي، والأهم من ذلك الهجوم الإرهابي سنة 2013  على مصنع الغاز الجزائري الكبير "أميناس"، يولي قادة البلاد أولوية خاصة على نحو متزايد للأمن الإقليمي، وعلى الرغم من أن الدستور يحظر صراحة التدخل العسكري في البلدان الأخرى، فإن للجزائر مصلحة واضحة، تنعكس في سياستها الخارجية، في ضمان استقرار جيرانها وقدرتهم على ردع المجموعات المتطرفة. على سبيل المثال في ليبيا، ساندت الجزائر عملية المصالحة الوطنية الشاملة بين جميع القوى، ودعمت الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في البلاد.

وقد اعترفت الولايات المتحدة وأوروبا بجهود قيادة الجزائر وتعاونها من أجل مكافحة الإرهاب في دول الجوار، وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي فهو يعطي مواصلة تعزيز العلاقات مع الجزائر أهمية خاصة، نظرا لمصلحة الطرفين في استقرار شمال إفريقيا ومنطقة الساحل المجاورة، فضلا عن إمكانية الجزائر في المساعدة على تحسين أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي.

وهناك طريقة رئيسة بالنسبة إلى الجزائر يمكن أن تساعد في تحسين التعاون الأمني في المنطقة، وتتلخص في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، صحيح أن البلدان على خلاف لمدة 40 عاما، وذلك بسبب إشكالية السيادة على الصحراء الغربية، ولكن المزايا الاقتصادية والتجارية والأمنية لتجديد التعاون بين البلدين من شأنه أن يكون كافيا لإقناعهم بإعادة النظر في هذا الموقف، وإذا قام العملاقان في شمال إفريقيا بالاعتراف بالمصالح المتبادلة وإعادة تأسيس العلاقات، فإن ذلك سيؤدي إلى الانفراج في العلاقات بالمغرب العربي، وسيصبح تأثير الجزائر في جميع أنحاء إفريقيا أيضا أكثر فعالية.

بالفعل قد يتم تصاعد تأثير الجزائر على نطاق إفريقيا، وقد اقترح البعض أن المرشح الجزائري يمكن أن يصبح رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي عندما تنتهي الولاية الحالية في يوليو المقبل، ومن شأن دعم الجزائر الثابت للاتحاد الإفريقي والتزامها بالأمن الإقليمي، ممثلا بدورها في اتفاق السلام المالي واحتضانها محادثات ليبيا، أن يكون في مصلحتها، وفي حال نجاحها تصبح الجزائر أول بلد في شمال إفريقيا يقود الاتحاد الإفريقي.

ويدعو التحدي الشديد الذي يشكله انهيار أسعار النفط والسياق الإقليمي المقلق إلى الحاجة الملحة للتغيير في الجزائر، وإذا تحركت الحكومة لكسر الجمود في النظام السياسي وتنويع الاقتصاد وتكثيف الجهود الدبلوماسية، يمكن أن تصبح الجزائر أقوى وأكثر تأثيرا من أي وقت مضى.

* خافيير سولانا | Javier Solana ، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن سابقا، والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي سابقا، ووزير خارجية إسبانيا سابقا، وهو حاليا رئيس مركز الاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية وزميل متميز في معهد بروكينغز.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top