إيفانجيلين السورية

نشر في 07-02-2016
آخر تحديث 07-02-2016 | 00:01
 ناصر الظفيري جمعت الروائي نثانيال هوثرون، صاحب رواية "حرف قرمزي"، والشاعر هنري لونجفيلو، صداقة حميمة، وهما طالبا علم، وفي عام 1840 دعا الشاعر مجموعة من أصدقائه إلى عشاء في غرفته في كامبريدج، وحضر الروائي هوثرون وبصحبته الكاهن هوريس كونولي، الذي سرد عليهم حكاية امرأة كندية - فرنسية من أكاديا تم إجبارها على الرحيل ليلة زواجها من خطيبها. وافترق الخطيبان مع الشعب الأكادي في قوارب التهجير من المدينة التي أصبحت وطنهم البديل، بعد رفضهم حمل السلاح ضد فرنسا بلدهم الأم، والتزامهم الحياد في الحرب البريطانية - الفرنسية. لكن هذا الحياد لم يكن ليرضي البريطانيين الذي أركبوا هؤلاء المزارعين المسالمين البحر وتركوهم لمصيرهم. تفرقت جموع المهجرين في الأراضي التي وصلوا إليها، بينما قضى الكثير منهم غرقا دون أن يتمكنوا من عبور المحيط والوصول لليابسة. والذين وصلوا إلى فرنسا وبريطانيا عادوا بهجرة أخرى ليستقروا في لويزيانا الأميركية. ورفض الكثير منهم بعد ذلك العودة إلى الوطن الأم فرنسا أو الوطن البديل أكاديا.

طلب الكاهن من الروائي أن يكتب قصة تهجير الأكاديين من أرضهم، لكن الشاعر سأله أن ينتظر حتى ينهي قصيدته التي لم تر النور إلا بعد سبع سنوات من اللقاء الذي جمعهم. كتب هنري وادزورث لونجفيلو قصيدة أو بالأحرى ملحمة "ايفانجيلين"، وهي سرد تاريخي بناه الشاعر الذي لم يزر مكان الأحداث، معتمدا على كتب التاريخ في جامعة هارفارد عن ايفانجيلين وخطيبها غبراييل الذي لم تتزوجه وقد فرق بينهما البحر. تنتهي رحلة بحث المرأة عن خطيبها في فيلادلفيا بعد أن تقدم بهما السن، وتعمل ايفانجيلين في إحدى المصحات، لتعثر على حبيبها في أيام مرضه الأخيرة ويموت على يديها.

كتبت ملحمة الشاعر عام 1847، بعد مرور قرابة تسعين عاما على حادثة تهجير الأكاديين عام 1758، بعد أن كادت حكايتهم تنسى، وتجزأت أكاديا الى ثلاث مقاطعات، واستقر الكثير من سكانها في بلدان متعددة لتسيطر عليها بريطانيا ثقافة ولغة، ويبني سكانها في أميركا بلدا بديلا لها.

في محاضرة للإعلامية الشهيرة ليز دوست، التي تنحدر من أصول أكادية، قارنت بين تهجير الأكاديين، وما أطلقت عليه "أول تهجير في العصر الحديث"، وبين التهجير الذي يتعرض له الشعب السوري وتشرده بين الدول. وطالبت الدول الغربية، ومنها كندا، بأن تتحمل مسؤولياتها لاستقبال عدد أكبر من اللاجئين. سألتها طالبة عراقية: هل تتصورين أن السوريين سيعودون إلى أوطانهم بعد أن يؤسسوا أوطانا بديلة؟ وردت المحاضرة بكل ثقة: نعم!

ولأني أشك في هذه الإجابة فيما يخص المهاجرين الذين وصلوا إلى الدول الغربية لأسباب أهمها أن الوطن الأم –أكاديا- الذي عادت اليه المحاضرة لا يشبه الوطن القادم الذي ستكون عليه سورية إلا بعد مرور تسعين عاما على هذا الخراب. وبعد تسعين عاما ربما تتحول سورية كما تحولت أكاديا إلى ثلاث دول وليس ثلاث مقاطعات. وبعد تسعين عاما سيأتي شاعر من بلد مجاور يتأثر بقصة طفل بقميص أحمر جرفته الأمواج غريقا، ويصنع منها ملحمة. وما يبقى من الحكاية هو ما بقي من حكاية ايفانجيلين. ثمثال ينتصب أمام الكنيسة التي كانت ستتزوج بها. ولوحة في متحف لطفل غريق بقميص أحمر.

back to top