هناك مثل قديم جديد يقول: "مثل خيول الإنكليز"، فالبريطانيون يُتهمون بأنهم يستخدمون أحصنتهم في بدايات فتوتها للسباق وسابقاً للقتال، ولكنها عندما تكبر وتصبح غير صالحة للسباقات تحال إلى جر العربات، ثم عندما تغدو غير قادرة على الاستمرار في هذه المهمة يسوقونها إلى ميادين الإعدام، ويطلقون عليها رصاص الرحمة لتخليصها من مكابدة أوجاع الشيخوخة، التي لا يعرفها إلا من يجربها، وأسأل الله اللطف بعباده... وهذه هي سنة الحياة!

Ad

وحقيقة إن هذا المثل ينطبق على ميشيل سماحة، الذي بدأ حياته السياسية في حزب الكتائب اللبناني، الذي أعطى للبنان رئيسين، هما بشير الجميل الذي جرى اغتياله بعد فترة قصيرة من انتخابه عام 1982، وشقيقه أمين الجميل الذي فقد أحد أبنائه "الصاعدين" في سلسلة الاغتيالات التي يُتهم بها حزب الله، والتي طالت رتلاً طويلاً من السياسيين اللبنانيين، من بينهم رئيس الجمهورية رينيه معوض، ورئيس الوزراء رفيق الحريري، والقائد الشيوعي جورج حاوي، والصحافي جبران تويني، والكاتب "التقدمي" سمير قصير... وغيرهم.

وميشيل سماحة هذا، مثله مثل كثيرين لم يستطع مقاومة مغريات مرحلة سيطرة النظام السوري على لبنان عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً، فتخلى عن حزبيته الكتائبية، وأصبح وزيراً للإعلام في الحكومات اللبنانية التي كان يؤلفها "المندوب السامي" السوري، ثم أصبح، كما يقال، مستشاراً للرئيس السوري بشار الأسد "وصديقاً" حميماً للجنرال علي المملوك وأجهزته الأمنية.

ربما أمر عادي، في فترة الهيمنة السورية على لبنان، أن يُغير بعض السياسيين انتماءاتهم وينتقلوا إلى الطرف الأقوى، وهكذا أصبح ميشيل سماحة الكتائبي القديم أحد أبرز اللبنانيين من الطائفة المارونية الذين التحقوا بـ"المعسكر السوري"، حيث قطع المسافات بسرعة عجيبة... وبقدرة قادر أصبح المستشار الأقرب للرئيس بشار الأسد الذي كان بدأ مسيرة الألف بأن عيّنه والده مسؤولاً للملف اللبناني... وهو الملف الذي تناوب عليه حكمت الشهابي وعبدالحليم خدام وغيرهما.

والمشكلة هنا ليست في أن يصبح لبناني في موقع رسمي سوري، فالمعروف أن اللبناني فارس الخوري تسنم أعلى المناصب في سورية، من رئاسة الوزراء إلى رئاسة المجلس النيابي إلى وزارة الأوقاف... نعم وزارة الأوقاف... إن المشكلة تكمن في تكليف ميشيل سماحة بمهمة لم يستطع حتى زميله في هذا التحالف البائس وئام وهاب إلا أن يصفها بأنها "عمل دنيء"... والسؤال هنا هو: لماذا يا ترى جرى تكليف شخص يحتل منصب مستشار بشار الأسد، وكان وزيراً للإعلام في لبنان، بحمْل متفجرات من دمشق إلى بيروت، للقيام بسلسلة اغتيالات للعديد من الشخصيات الوطنية اللبنانية، مع أن هذا البلد عبارة عن مستودع أسلحة ومتفجرات كبير، ومع أن الذي يحكمه هو حزب الله بقيادة حسن نصر الله... الجندي في فيلق الولي الفقيه والأقرب إلى دمشق من كل الفعاليات السياسية اللبنانية، والذي مع طول الوقت أصبح الأكثر شهرة في العالم في العنف والإرهاب والاغتيالات.

إنها حكاية خيول الإنكليز!