مع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا، تتزايد الانتقادات الداخلية للسياسة الاقتصادية التي انتهجتها موسكو خلال العقدين الماضيين، وبدأت آثارها تظهر بشكل أكثر وضوحاً مع تدني أسعار الخامات في الأسواق العالمية.

Ad

فقد دق هيرمان غريف رئيس مصرف "سبير" -أكبر المصارف الروسية- ناقوس الخطر بشأن إمكانية تحول روسيا إلى دولة فاشلة اقتصادياً مع اقتراب عصر النفط من نهايته. وانخفضت أسعار خام برنت أخيراً إلى أقل من ثلاثين دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى تصل إليه أسعار البترول منذ أبريل 2004. وقال غريف، في كلمته أمام منتدى غيدار الاقتصادي الذي عقد أخيراً في موسكو، إن الوقت قد حان للتوقف عن الارتهان لتقلبات أسواق الخامات، معتبراً أن المستقبل لقطاع المعلومات والتقنية العالية.

يأتي ذلك في حين قال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف أثناء مشاركته في المنتدى، إن العام الماضي شهد تحولاً نحو سيطرة الإيرادات غير المتصلة بشكل مباشر بصناعة النفط والغاز وزيادة حجم وقيمة صادرات السلع المصنعة. وفي أول رد فعل رسمي على تصريحات غريف، التي أصابت الكثيرين بالذهول، طالب نيكولاي ليفيتشيف نائب رئيس مجلس الدوما غريف بالاستقالة بعد وصفه روسيا بدولة فاشلة اقتصادياً.

اقتصاد النفط

وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي بغدان زفاريتش لـ"الجزيرة نت" "إذا نظرنا بنظرة علمية مجردة نجد أن غريف كان محقاً فيما قاله، لأن روسيا لم تواكب التغيرات ولم تطور قطاعي الصناعة والزراعة لتقليل اعتمادها على تصدير النفط والثروات الطبيعية". وأضاف زفاريتش: "لقد خسرنا في المنافسة العالمية وأصبحنا في عداد الدول الفاشلة، ولم نستطع أن نشغل الوقت والجهد والمال في التطور الاقتصادي"، مؤكداً أن الهوة ستكون سحيقة في مداخيل المواطن الروسي مقارنة بمواطن الدول المنتصرة في هذه المنافسة، حسب تعبيره.

وأوضح أن احتفاظ الدول بمكانتها كقوى عظمى يتطلب منها الوقوف على أرض صلبة والارتكاز إلى دعامتين متينتين إحداهما عسكرية والأخرى اقتصادية، في حين "نرى أن روسيا دولة قوية عسكرياً، لكن دعامتها الاقتصادية هزيلة"، وهو مدخل سهل للخصوم من أجل النيل منها.

ولفت إلى أن من يتحمل مسؤولية الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد هي الحكومات المتعاقبة التي راقبت بصمت انهيار قطاعات اقتصادية مهمة كانت موجودة في العهد السوفياتي وكان ينقصها التحديث. ورأى زفاريتش أن غريف بدوره يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية لأنه شغل منصب وزير الاقتصاد والتجارة بين عامي 2000 و2007 في حكومات كاسيانوف وفرادكوف، وهو من كان يحدد أولويات التطور الاقتصادي لروسيا.

الأولوية للأمن

من ناحية أخرى، قال الخبير الاقتصادي فاسيلي كاشين، إنه لا يتفق مع ما ذهب إليه هيرمان غريف بأن روسيا دولة فاشلة اقتصادياً وأنها خسرت المنافسة أمام الدول المتقدمة اقتصادياً.

وبرر كاشين ذلك، بأن روسيا لديها صناعات عديدة منافسة ومتفوقة على مثيلاتها الأجنبية، وأنها تختلف عن دول الخليج التي تعتمد كلياً على مبيعات النفط، حسب اعتقاده. وأضاف أن العقد الماضي كشف وجود مخاوف أمنية كبيرة تهدد روسيا، وبالتالي كانت القيادة الروسية مضطرة لتوجيه إمكاناتها الاقتصادية لدعم صناعاتها العسكرية بالدرجة الأولى وتحديث قدراتها الدفاعية، مشيراً إلى أن ذلك استهلك أموالاً طائلة من الخزينة.

تراجع حاد للروبل الروسي

سجل الروبل الروسي تراجعاً حاداً خلال تداولات، أمس، في أعقاب هبوط أسعار النفط مع رفع العقوبات الغربية على إيران.

وشهدت أسعار النفط تراجعاً لأدنى مستوى 28 دولاراً للبرميل، لتسجل أقل مستوياتها منذ عام 2003، قبل أن تتعافى قليلاً، عقب قرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على إيران تطبيقاً للاتفاق النووي.

وجاءت الخسائر الروسية مع حقيقة أن رفع العقوبات على طهران سوف يعيد صادرات البلاد النفطية للارتفاع، مما سيزيد من تخمة المعروض من الخام في الأسواق.