تخفيض الدعوم... المطلوب منهج عملي واقعي لتوعية الناس
الكويت كدولة «محتاسة» في ورطة، بعدما تورطت وأقدمت على رفع سقف الإنفاق إلى ما بين أربعة وخمسة أضعاف خلال عشر سنوات، اعتماداً على ارتفاع العائدات النفطية، فإذا بها اليوم تواجه تناقصاً وشحاً في الموارد. فبعد أن وصلت الإيرادات النفطية إلى 30 مليار دينار عام 2013 تشير تقديرات ميزانية عام 2015/2016 إلى هبوطها بمقدار 60 في المئة، أي إلى نحو 10 مليارات دينار، كما تشير التوقعات إلى أن أسعار النفط ستبقى حتى عام 2020 متراوحة بين 78 و80 دولاراً بأسعار عام 2013، وبين 104 و108 دولارات للبرميل عام 2030، وبين 138 و145 دولاراً عام 2040 بأسعار عام 2013.وإذا أخذنا في الاعتبار أن سعر التعادل المطلوب لميزانية الكويت حالياً هو 77 دولاراً للبرميل، وأن المصروفات في الميزانية ترتفع بمعدل 7 في المئة سنوياً، فإن سعر التعادل للبرميل عام 2030 سيكون 258 دولاراً، وعام 2040 سيكون 409 دولارات، لتوفير إيرادات كافية لتغطية المصروفات، وقد يكون ذلك أمراً صعب المنال.
هذه التنبؤات قد لا تتحقق بالدقة، لكن النتائج ستكون قريبة من ذلك، حتى لو خصمنا نسبة 60 في المئة.معالجات متواضعةتوجُّه الحكومة الحالية، هو ذاته منذ عام 1985، ويتمثل في تقليص ما يصرف على الدعم المقرر على أسعار الكهرباء والبنزين، ونعتقد أنها معالجات متواضعة، فحتى لو تم رفع أسعار البنزين بنسبة 50 في المئة وأسعار الكهرباء ثلاثة أضعاف، فقد لا يكون ذلك كافياً لتغطية العجز في الميزانية مستقبلاً.ورفع أسعار البنزين والكهرباء، وكذلك بقية الدعم، يواجه بدوره مقاومة "شعبوية"، فطبيعة البشر أنهم يرفضون التنازل عما لديهم من مكتسبات، على الرغم من أن رفع أسعار البنزين والكهرباء ليس بالأمر الخطير على ميزانية ذوي الدخول المحدودة.مشكلة الرواتب إذا ما جئنا إلى معالجة الارتفاع في الرواتب، فسنجد أنها العامل الكبير في الإنفاق العام، بعد تضخمها بمنح زيادات من أنواع مختلفة، كالمكافآت للأعمال الممتازة والإنجاز، والعلاوات والمنح والزيادات على مرتبات التقاعد، ومثل هذه المميزات متى ما أعطيت لفئة معينة، فإنها تفتح الباب لفئات الموظفين الآخرين للمطالبة بالمثل، فوصول مرتبات بعض الفئات إلى معدل 13 ألف دينار شهرياً، يعني صعوبة سحبها أو تقليصها، باعتبار أنها أصبحت حقوقاً مكتسبة، والشيء نفسه ينطبق على مكافآت نهاية الخدمة، التي وصلت إلى عشرات وربما مئات ألوف الدنانير.المسألة عصية جداً على العلاج، لذلك ربما كان من الأجدى طرح برنامج علاج أقرب إلى العدالة، ونقصد هنا تحديداً اللجوء إلى ضرائب الدخل على أسس عادلة، وفق شرائح متدرجة تتناسب مع مستوى الدخل، وهو الأمر الحاصل في بلاد العالم كافة، غنيها وفقيرها، رأسمالياً كان نظامها أو اشتراكياً، أو «بين بين»، يضاف إلى ذلك، أهمية طرح منهج عملي واقعي يهدف إلى توعية الناس بالوضع الراهن، وتداعياته المستقبلية، وهذا المنهج يبدأ بتحليل المشكلة وشرح الحلول وآثارها على كافة فئات وشرائح المجتمع، تمهيداً للانتقال من دولة المنح والعطايا إلى دولة المواطنة المسؤولة.محاربة الفسادوبالطبع، قبل كل هذا وذاك، فإن المطلوب محاربة حقيقية وجادة للفساد، فلا يمكن كسب وقبول رضا الناس لسياسات ترشيد جادة، وهم يرون أن الفساد أصبح سلوكاً نمطياً في دوائر الدولة، وكذلك وقف نزيف الهدر والبذخ.فيجب البدء هنا من أعلى الهرم، وليكن مثلاً، بإعادة النظر في مخصصات رئيس الدولة، التي تكرم مجلس الأمة برفعها بنسبة 625 في المئة من دون مبرر ومن دون أن يطلب منه أحدٌ ذلك، ولا أعتقد أن الجهات العليا طلبت ذلك، وإذا كان الطلب من رئيس الوزراء والحكومة، فكان يجب أن يُطرح للنقاش، وكذلك النظر في مرتبات الوزراء، مضافاً إليها المنحة أو المكافأة، التي لا لزوم لها، وهو أصلاً إجراء مشكوك في دستوريته. وكذلك الرواتب المرتفعة جداً، مثل رواتب مسؤولي هيئة مكافحة الفساد.في مختلف بلدان العالم مرتبات الموظفين العامين تقرّ بقانون، بداية من رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء، وصولاً إلى أصغر موظف، فمن غير الجائز أن تكون هناك مكافآت من أموال الدولة لا يكشف عنها، ولا تخضع للإقرار بالطريقة الدستورية، وبعيدة عن الرقابة، فكل "فلس" يذهب إلى جيب الموظف العام يجب أن يكون تحت نظر المواطنين. وللحديث بقية.