حكم قضائي: لا يجوز للبنوك الإسلامية مطالبة مشتري العقارات عن طريقها برسوم أو غرامات سددتها للدولة
«عدم تحميل المواطنين ما يثقل كاهلهم دون الملاك المضاربين والمحتكرين»
أكد حكم قضائي مسؤولية البنوك التي تقوم ببيع العقارات وفق نظام «الإجارة بالتملك»، عن الرسوم والغرامات المقررة من الدولة، وعدم تحميلها المشتري، لأن المسؤول عن سدادها هو المالك.
رفضت المحكمة الكلية التي أصدرت حكمها برئاسة المستشار محمد الصلال مطالبة أحد البنوك بالرجوع على مواطن بسداد ما قام بدفعه إلى وزارة المالية (قرابة ٩ آلاف دينار)، وذلك لمسؤولية المالك عن الرسوم المقررة لوزارة المالية، وكذلك لعدم النص في العقد المبرم بين الطرفين.وقالت المحكمة في حيثيات حكمها: «ولما كان المدعي قد أقام دعواه المطروحة بطلب إلزام المدعى عليه بالرسوم التي أداها عن الأخير تطبيقاً للقانون رقم 8 لسنة 2008 بتعديل عنوان وبعض أحكام القانون رقم 50 لسنة 1994 في شأن تنظيم استغلال الأراضي الفضاء؛ تأسيساً منه على البند السادس من عقد البيع المبرم بينهما المؤرخ 27 يوليو 2010، وكان البيّن للمحكمة أن هذا البند قد جرى نصُّه على أن «يلتزم الطرف الثاني تحديد العقار لدى بلدية الكويت وسداد الرسوم المستحقة لأي جهة كانت...»، ما مؤداه بوضوح ودلالته بجلاء -وفق ما تراه وتستخلصه المحكمة- أن المدعى عليه ملزم بموجب هذا البند بسداد الرسوم المستحقة على عقاره لدى أية جهة في حدود عقد البيع الذي أمضاه، بما تضمنه من ثمن ومبيع دون أن يمتد لما على المدعي من التزامات لدى أية جهة حكومية أو غير حكومية، ودون أن يتعلق المدعى عليه بفرض لا يقوم به، وإن كان يقوم بغيره، ومفاد ذلك أن يلتزم الأخير بأداء الرسوم المستحقة على عقاره في حدوده المبينة بالعقد، سواء أكانت مصاريف سمسرة أم رسوم تسجيل لدى إدارات الدولة».رسوم السمسرة العقاريةوبينت المحكمة أن «البيِّن بالأوراق أن المدعي لم يزعم بدعواه الماثلة أن المدعى عليه قد تخلف عن أداء رسوم السمسرة العقارية أو رسوم تسجيل عقاره لدى إدارات الدولة، وإنما لم يؤد حصته من الرسوم المفروضة على استغلال الأراضي الفضاء وفق أحكام القانون رقم 8 لسنة 2008 المشار إليه. في حين أن الثابت من عقد البيع المؤرخ 27 يوليو 2010 أن العقار المبيع للمدعى عليه لم تتعد مساحته 380م2؛ وهو ما لازمُه ألا يخضع لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2008 سالف الذكر الذي قصر أحكامه على مساحة قسائم السكن الخاص التي تزيد مساحتها على خمسة آلاف متر مربع في مجموعها، والذي ما شُرع إلا لردع المحتكرين والمضاربين على تلك القسائم لكبح الارتفاع المستمر والمطرد في أسعار هذه الأراضي وتلبية احتياجات المواطنين بتوفير المساكن الكافية التي كان من الواجب أن تتناسب مع الطلبات المتزايدة». استغلال الأراضي الفضاءوقالت المحكمة إنها ترى أن نص البند السادس من عقد البيع المحاج به لا يطال المدعى عليه في شأن الرسوم المستحقة لخزينة الدولة عن استغلال الأراضي الفضاء، ذلك أن العقد بمحتواه لم يلزمه بحصته منها نصاً، كما لم يبين منه علمه بخضوع البائع لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2008 المشار إليه، ليصار إلى تأويل البند السادس سالف الذكر، لاسيما أن مساحة العقار المبيع لم تتجاوز 380م2، ومن ثم فهو لا يخضع لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2008، خاصة أنه لم يثبت بالأوراق أن المدعى عليه يمتلك سواه وفق الشهادة العقارية المرفقة بأوراق الدعوى. يضاف إلى ذلك أن البند الخامس فقرة (5) الوارد بالعقدين المؤرخين 29 يوليو 2007 و29 يوليو 2008 الذي يتساند إليه المدعي إنما يدور في حدود الغرامات والأعباء المالية التي تفرض عليه بسند من القانون رقم 9 لسنة 2008»ولفتت المحكمة إلى أن «المدعي بحسب قضاء محكمة التمييز – راجع الحكم في الطعون أرقام 239، 244، 279 لسنة 2009 إداري جلسة 2/2/2011 – غير مُخاطب بهذا القانون باعتباره من البنوك الإسلامية المخاطبة بالحكم الخاص الوارد في المادة 99 من القانون رقم 32 لسنة 1968 المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 2003 بشأن إضافة قسم خاص بالبنوك الإسلامية، ومن ثم فلا يصح من المدعي أن يُخاطب المدعى عليه بما لم يخاطَب هو به، كما لا يتأتى منه أن يتجاوز نص البند مار الذكر ليشمله بالرسوم التي توقع عليه عملاً بأحكام قانون آخر وهو 8 لسنة 2008، وفق ما أفصح عنه جلياً كتاب وزارة المالية المؤرخ 18 أغسطس 2013، ومن ثم ليتعدى حدود ذلك النص ويتجاوز مضمونه الذي أقره العاقدان ليحمّله ما لا يتحمله بمحض هوىً ومنفعة منه، وتأويل وقياس فاسد لا أساس له من المنطق والصحة».معاناة المواطنينوقالت المحكمة: «إن من شأن تحميل الأفراد تلك الرسوم المستحقة للدولة وفقاً لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2008 عوضاً عن المضاربين والمحتكرين المقصودين والمخاطبين به – بفرض الجدل البعيد – أن يُفرغ القانون المذكور من فحواه والمبتغى منه فضلاً عن نقضه إرادة المشرع – راجع المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور – بتحميل كاهل المواطنين خاصة مستحقي الرعاية السكنية عبء تلك الرسوم، دون أولئك الملاك المضاربين الذين يسعون إلى استغلال عوز وحاجة المواطنين فيحتفظون بتلك الأراضي مدداً طويلة دون استغلالها، بما يمكنهم من المضاربة عليها وصولاً إلى أعلى سعر ممكن للبيع، محققين في ذلك معاناة المواطن وجل مشاكله الاجتماعية، وهو ما لا يسوغ، بل ولا يحمل في روحه معنى العدالة والقسط الذي يقصده المشرع وينشده القضاء من بعد، لاسيما أن في ذلك ما يناهض -حسب التفسير مار البيان- قاعدة قانونية تعتبر من النظام العام قُصد بها تحقيق مصلحة اجتماعية واقتصادية تتعلق بنظام المجتمع، وتعلو على مصلحة الملاك والأفراد، ومن ثم يجب عليهم مجتمعين أن يراعوا تلك المصلحة لا أن يناهضوها باتفاقاتهم، بحسبان أن المصالح الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة التي برَّرت في هذا المقام إصدار القانون رقم 8 لسنة 2008 بتعديل عنوان وبعض أحكام القانون رقم 50 لسنة 1994 في شأن تنظيم استغلال الأراضي الفضاء، وهو الأمر غير المطروح بالعقد محل الدعوى الذي ارتأى الحكم -بتفسيره على النحو مار البيان- أنه لا يمتد إلى تلك الحدود بحسب نصه، كما أن المدعي الملزم وحده بتلك الرسوم دون المدعى عليه، فلا يحق له الرجوع على الأخير في صدده، سيما أنه المخاطب وحده بها ومن تحقق الفرض وحيداً به».