كان من تداعيات الصدمة الحضارية بالغرب 1798 أن استيقظ الفكر العربي والإسلامي من رقاده الطويل على واقع مترد، لينشغل بالبحث عن إجابات شافية لتساؤلات نهضوية كبيرة: لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا؟! وما السبيل إلى عبور الفجوة الواسعة التي تفصل العالمين العربي والإسلامي عن العالم المتقدم؟
على امتداد قرن ونصف، تعددت الإجابات (مشاريع النهضة) بتعدد الاتجاهات الأيديولوجية والسياسية والفكرية وتشخيصها لعلل الإخفاق وحلولها، كما يأتي:1- الإسلام هو الحل: وهو من أبرز الحلول المبكرة التي دعت إليها النخب الدينية والتنظيمات السياسية الإسلامية، إذ لا صلاح ولا نهضة إلا بعودة الأمة إلى كتاب ربها وسنة نبيها، وما كان عليه السلف الصالح، فلا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.2- الديمقراطية هي الحل: وهو شعار يكاد يجمع عليه معظم الباحثين، فلا يمكن تحقيق تقدم أو نهضة إلا في ظل نظام سياسي ديمقراطي يحترم الحقوق والحريات ويسمح بمشاركة المواطنين.ولعل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري في كتابه "العرب والسياسة: أين الخلل؟" خير من شخّص علة العلل في هذا الإخفاق العربي المستمر في إدارة الأزمة السياسية، بالانتقال السلمي للسلطة منذ الخلافة الراشدة.3- التربية هي الحل: خير من عبر عن هذا الحل هشام شرابي في دراسته للمجتمع العربي، ونقده النظام التربوي (الأبوي).4- التعليم هو الحل: حمّل خبراء التعليم نظامنا التعليمي المسؤولية بسبب آفتي: التلقين والرأي الأحادي.5- التقنية هي الحل: وهو مذهب أنطوان زحلان ومدرسته.6- الاشتراكية هي الحل: عند مفكري اليسار وتنظيماته التي ترى أن عله الإخفاق كامنة في بنية المجتمعات العربية القائمة على الدخل الريعي والعقلية الريعية.7- تغيير الثقافة التقليدية هو الحل: يرى المفكر السعودي إبراهيم البليهي أن المعوق الثقافي هو المعوق الأم لكل مشاريع النهضة العربية، فلا بد من إعادة النظر في ثقافتنا التي نتشربها منذ الصغر تلقائياً، وإخضاعها للفحص والتمحيص.8- تغيير العقلية العربية هو الحل: وهذا مذهب الجابري وأصحاب مدرسة نقاد العقل العربي المحكوم بالماضي.9- السلطة العلمية هي الحل: وهو مشروع الباحث الكويتي عيد الدويهيس، شرحه في كتابيه: الطريق إلى التقدم العلمي، والسلطة العلمية، أين؟ يقوم المشروع على إنشاء سلطة علمية قوية بجانب السلطات الثلاث الموجودة، وتتكون من معاهد علمية كبيرة ومتخصصة، يعمل فيها نخبة من ذوي الخبرات النظرية والعلمية، إضافة إلى بناء مراكز وإدارات علمية قوية في الوزارات والمؤسسات والشركات في القطاع التنفيذي التنموي، وتكون مهمتها: عمل الدراسات الواسعة، وإعداد مسودات القرارات والبرامج والخطط التي تحقق التطور والتنمية، فهي عيون الدولة وعقولها، ويكون القطاع التنموي بمثابة الجسم والعضلات وتتولى قيادة عملية التنمية، كما في الدول المتقدمة.يرى الباحث أنه لا يوجد سر في التقدم، فكل ما فعلته الدول المزدهرة أنها بنت، أولاً، قطاعا علميا قويا، قاد التعليم والصناعة والاقتصاد والتخطيط والإدارة والسياحة.يتساءل الباحث، وهو الذي عمل لأكثر من 30 سنة في معهد الكويت للأبحاث العلمية، والذي كانت دراساته موجهة لخدمة التنمية، عن أسباب إخفاق مشروعات التنمية: هل بسبب نقص الموارد، أو عدم الإخلاص، أو الفساد، أو تآمر الأعداء؟ ويجيب بأن المشكلة ليست في هذه الأمور بل في الحلقة المفقودة، وهي عدم وجود الربط بين العلم والتنمية، وأهل العلم بأهل التنمية، لذلك فإن السلطة العلمية المقترحة، هي الكفيلة بتحقيق هذا الربط، وتجسير الفجوة القائمة بينهما.يرى الباحث أن مشاريع النهضة تتكلم عن مبادئ عامة معروفة مثل: تعاون العرب بإمكاناتهم الهائلة، ودعم القطاع الخاص، والاهتمام بالتعليم والبحث العلمي... إلخ. ولكن المشكلة: كيفية تطبيقها على أرض الواقع من غير آلية لربط العلم بالتنمية من خلال السلطة العلمية المقترحة.ختاماً: لست بصدد تقييم هذا المشروع، لكنها دعوة للاطلاع عليه ودراسته دراسة وافية.* كاتب قطري
مقالات
السلطة العلمية طريق إلى النهضة
29-02-2016