قدمت مغامرة في مجال النحت من خلال معرضك الأخير «ذكريات مرئية»، ما هي أبعادها؟

Ad

يستعين الفنان عموماً بما يشعر به وبخبراته في الحياة وببيئته والحوادث المحيطة، وعلاقته بنفسه وبالناس، وبالفن عموماً والنحت خصوصاً، وماذا يريد أن يقول، فهل يسعى إلى تقديم جمل جديدة أم مكررة أم مغامرة؟

أردت في معرضي الأخير الدخول في مغامرة. أقدم للمرة الأولى أعمالاً على الجدار، وشكّلت بالنسبة إلي تحدياً، فقد قدمتها بشكل تكنولوجي، إذ قطعت خامات بالليزر ثم قمت بتركيب فوتوغرافيا، واخترت منها مقاطع لطباعتها على العمل، فكانت تمثّل مراحل معقدة، لكني كنت أشعر أنها في النهاية ستوصل الرسالة التي أريدها.

لكن لماذا لم تكتفِ بعرض أعمال نحتية بمفردها، خصوصاً أن المضمون قد يبدو واحداً؟

لغة النحت اختزالية. لا نستطيع أن نقدم حكياً أو عالماً أو أسطورة مثل تلك التي نقدمها في التصوير على سبيل المثال. اجتهدت وتحايلت لتكثيف مضمون قطعة النحت، لأعطي جملاً لا يمكن تقديمها بالطريقة التقليدية في النحت. ومع التفكير والتجارب، اخترت أن أطبع فوتوغرافيا على النحت أو أقدم أشياء جديدة على السطح أو الجدار تقترب بعض الشيء من عملي، وهي مزيج بين الأبيض والأسود، معدن مع حجر، خشب ومعدن. من يرى معرضي الأخير يعرف أنه نتاج شخصيتي.

يرى بعض النقاد بأنك تتبع نسقاً أو خطاً معيناً منذ البداية، فما تعليقك؟

لا أفكر بهذه الطريقة. ربما لي أسلوبي في النحت عموماً، وفي أعمال كبيرة قدمتها خارج مصر من خلال سمبوزيومات مختلفة كانت جديدة حتى بالنسبة إلى الأوربيين. أجتهد ولكني لا أضع خطة في ذهني للتنفيذ كوني ضد الحفاظ على طريقة ثابتة. لن تتم معاقبة الفنان إذا غيّر طريقته في العمل. أقدّم ما أشعر به، لكني أستفيد في تطوير تجربتي من خلال خبراتي السابقة. من الممكن أن أغيّر جذري ولكن بطريقة عملي المعروفة. لا يشغلني التأسيس لخط بقدر ما يهمني تقديم خط جديد، لذا ألجأ إلى معالجة جديدة.

أنا متمرد بشكل كبير ومهموم بتقديم جمل وطريقة جديدة في العمل، وما زال العمل مستمراً. أحب البحث عن الجديد حتى لو أن المغامرات التي أقدمها صعبة، لكني شغوف جداً بالجديد والتكنولوجيا في الفن وصياغة النحت بمعالجات جديدة بها جرأة. أقول للنحاتين الصغار: ضعوا قلوبكم أسفل أقدامكم. لن تعلق لكم المشانق. جربوا وأنتم صغار، لماذا تذهبون إلى الطريق السهل والتلخيص. كونوا مجانين وستجدون نتيجة هائلة. التحفظ في حد ذاته أمر سلبي.

ترى أن التمرّد ضرورة فنية؟

لا أعرف إن كان ضرورة أو لا، ولكني لا أحب السير على نمط واحد. أسأل نفسي أحياناً: ماذا سأخسر إذا غامرت؟ ربما ما أفادني في هذا العمل أنني لم يكن لي عمل يوماً ما سوى الفن. بمجرد التخرج ركزت على الفن والمعارض. لم أستطع إشراك عمل آخر معه. ربما العمل الوحيد الذي قمت به أنني كنت ضمن اللجنة العليا لسمبوزيوم أسوان وأدرته لمدة 16 عاماً، لكن أيضاً ربما ما ساهم في استمراري هو التعاون مع فنانين كبار وبمحيط عملي نفسه.

البرونز والمتلقي

كيف تسنى لك العمل بخامة البرونز المطلي بالنيكل، وهل أردت باستخدامها أن تجعل المتلقي جزءاً من عملك بانعكاس صورته داخل هذا العمل؟

أتعمد هذا الأمر إلى حد ما. أستطيع أن أخرج من شغلي الخاص إلى العام. ما يخصني إحساسي بالحياة والسياسة والواقع والمشاكل والحياة التي نعيشها. إذا دخل المتفرج بحد ذاته إلى العمل وأصبح جزءاً منه سيعطي انطباعاً آخر. يعكس الانعكاس الشديد للأعمال المتلقي داخله، حتى إن لون العمل نفسه يتغيّر وكأنه كائن حي، ويكون هذا الأمر في ذهني عند صياغتي العمل الفني، واسأل نفسي: هل أريد أن أقدمه بشكل لامع أم لا؟ يجذب هذا الأمر المتلقي إلى العمل ويزيد من حالته الدرامية المتناقضة. كذلك سبكت الأعمال كافة بنفسي لأتحكّم بالجودة وبالتشطيب الذي أريده، وذلك ربما جزء من امتلاك الأدوات، ما يمنحني مساحة للمغامرة وإلغاء أعمال لا تروق لي، من ثم وصلت إلى ما عرضته.

ولكن هل سبكك أعمالك استعراض لمهارتك؟

ليس استعراضاً للمهارة بقدر ما هو امتلاك للأدوات. سبكت سابقاً أعمالاً لدى أصحاب مسابك ماهرين، ولكني أردت أن تتوافر لي الأدوات مثل الرسام الذي تكون أدواته ملك يديه من ألوان وفرش وتوال... إلخ. كذلك أفضل تعزيز التكنيك، وعندما أسبك عملي أستطيع التجويد في السباكة لأني الأكثر على استيعاب نفسي، لذا قمت بهذه المغامرة ولم أخسر شيئاً.

تعرض للمرة الأولى أعمالاً بالخشب، ألا ترى أن استخدامك هذه الخامة جاء متأخراً؟

كان والدي ماهراً جداً في استعمال الخشب فلم أرد أن أعيش في جلباب أبي، ولكن استخدامي الخشب في هذا المعرض أعطى طعماً جديداً لعملي، واكشفت أن المتلقي استقبله جيداً. وجدت أن العملين الخشبيين هما بطلا المعرض. كذلك استفدت من الشكل الفرعوني كثيراً في هذه الخامة، وركزت في كيفية تقديم الخشب بشكل مختلف كونه خامة نراها ونتعامل معها يومياً في بيوتنا.

بعد ربع قرن مع النحت، كيف تبدو تجربتك اليوم؟

قدمت معرضاً منذ عامين في مركز الجزيرة للفنون، وجاء معرضي الأول منذ 27 عاماً، ومكثت فترة طويلة من دون تقديم معارض لسبب خاص، إذ كنت أعد مجموعة تُباع منها أعداد وما يتبقى منها لا يمكن أن يكون معرضاً. لكن بالحديث عن مراحل عملي، بدأت العمل بالحديد إلى أن ذهبت إلى سمبوزيوم أسوان، بهرني الحجر وتكنيك هذه الخامة ولغتها، ثم تحوّلت 180 درجة، وكانت أول تجربة لي بعد هذه الفاعلية بعام في بينالي القاهرة الدولي عام 1998 حيث قدمت رخاماً أسود وبرونزاً وفتح الطريق أمامي وعملت على هذا الاتجاه حتى الآن وقمت بتطويره، وبدأت الانتقال من الحجر إلى البرونز.

أنت أحد أبناء سمبوزيوم النحت؟ ماذا تعلمت منه وكيف ترصد ما قدمه للحركة التشكيلية؟

استفدت من الحجر كثيرا، خصوصاً أن حجر الغرانيت بتكنيكه صعب، من هنا كان التحدي مع تلك الخامة العنيدة التي تتطلّب من الفنان مصادقتها حتى يخرج منها بنتيجة. وشاركت في أكثر من 20 سمبوزيوم، من ثم لم تعد هذه الخامة صعبة التعامل بالنسبة إلي ولكنها لغة أستخدمها عندما أريد قول شيء بهذه الخامة. الغرانيت مادة مبهرة نُفذ بها أعظم أعمال النحت. لهذه المادة احترامها وخصوصيتها وآدابها ومعطياتها، وفي الشغل الفرعوني نجد أعمال الفراعنة الصامدة لفترات طويلة. شخصياً، قدمت بهذه الخامة أكثر من مئة عمل. بالنسبة إلى السمبوزيوم أحدث نقلة في حركة النحت في الشرق الأوسط.