أدوار جديدة لإعلام الحرب

نشر في 21-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 21-02-2016 | 00:01
 ياسر عبد العزيز براعة الإعلام والدعاية لن تكون كافية وحدها لحسم المعارك، لكنها ستكون، بكل تأكيد، عاملاً حيوياً مساعداً وضرورياً، لكسب المعركة، التي لن يحسمها سوى الانتصار على الأرض.

 تدور المعارك في مناطق عدة في الشرق الأوسط؛ وهي معارك تتنوع بين الغزو الخارجي، والحروب الأهلية، والتدخل العسكري الدولي والإقليمي، والنزاعات الدموية بين السلطات الرسمية وجماعات متمردة أو ثورية أو انفصالية.

ويظن البعض أن رقعة تلك الصراعات تمتد لتشمل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية فقط، متجاهلين أحد أهم ميادين النزاع أهمية وتأثيراً... أي المجال الإعلامي.

ويمكن القول ببساطة إن الصراعات الدائرة في اليمن أو سورية أو ليبيا أو العراق أو جنوب تركيا أو سيناء لا يمكن أن تُحسم من دون مواكبة إعلامية ودعائية ناجعة وفاعلة.

لكن القدرة على إحداث التأثير المطلوب في أوقات الصراع المحتدمة باتت تتطلب تكنيكات إعلامية جديدة، وهي تكنيكات تنطلق من ضرورة التخلي عن فكرة "الرسائل المباشرة البسيطة"، التي تُوجه من آلة الدعاية الحكومية؛ مثل تلك التي قامت بها الدعاية الناصرية في مواكبة هزيمة يونيو 1967، أو تلك التي اعتمدتها الحكومة العراقية خلال حرب الخليج الأولى مع إيران (1980- 1988)، وما تلاها خلال أزمة احتلال الكويت، وصولاً إلى تحريرها، الذي انتهى باحتلال العراق نفسه، وكان عنواناً لهزيمة فكرة الدعاية الحربية المباشرة الفجة.

هناك عدد من الخطط الاستراتيجية الدعائية والإعلامية التي يمكن وصفها بأنها تتماشى مع الاستراتيجية الجديدة لاستخدام الإعلام والدعاية في تعزيز فرص كسب الحروب والنزاعات؛ لعل أهمها المواكبة الإعلامية لعملية تحرير الكويت، وغزو العراق، وكوسوفو، وحرب "فوكلاند"، وإطاحة القذافي، والحرب الراهنة في كل من سورية واليمن.

وقد اعتمد الاقتراب الاستراتيجي الجديد على محاور محددة؛ منها ما يلي:

توسيع المجال

لن يكون الإعلام المواكب للعمليات العسكرية والحروب مجرد إدارة تابعة للجيش، تصدر بيانات، وتبث صوراً وأفلاماً من إنتاج الحكومة أو القوات المسلحة فقط، لكنه سيتسع ليشمل كل وسائط الإعلام العاملة على هامش الصراع، بما فيها تلك التي تتبع العدو نفسه، أو التي تقف على الحياد.

وسيتم تطوير الرسائل الاتصالية لتبدو مواد خبرية وتحليلية مهنية، وستُتاح وتوزع وتبث عبر جميع الأقنية، باعتبارها أخباراً وتقارير ومقالات غير دعائية. وستكون هناك مئات الصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي صفحات وحسابات لا تعود للمتحدثين العسكريين ورجال السلطة وتنظيماتها فقط، لكنها ستكون منسوبة إلى شخصيات مشهورة، أو منظمات مجتمع مدني، أو ناشطين عاديين.

سيضمن ذلك اتساع رقعة التأثير، وسيتلقى الجمهور الرسائل باعتبارها مواد صحافية وإعلامية، وسيكون أقرب إلى تصديقها والاقتناع بها، مقارنة بتلك التي تحمل الأختام الرسمية.

رقابة مرنة

وعوضاً عن سلطات الرقابة الصارمة، التي تدقق في البيانات والأخبار، وتمنع معظمها، أو تجبر وسائل الإعلام على استقاء المعلومات الخاصة بالحرب من مصدر محدد، ستكون الرقابة أكثر مرونة.

وستعتمد السلطات وسائل الإقناع الناعمة، وستتوقف عن قتل الصحافيين أو سجنهم أو منعهم من مزاولة عملهم أو مصادرة أدواتهم المهنية، لكنها مع ذلك، ستحدد لهم مجال عملهم، وستخبرهم بعواقب نشر بعض المواد التي تخل باعتبارات الأمن الحربي، وستشركهم في صياغة بعض القواعد والالتزامات التي تضمن لهم القيام بمهامهم من دون تعريض المصالح العليا للخطر.

وبدلاً من سياسة "أقفاص الدجاج"، التي كانت تعتمدها الأنظمة المغلقة، سيتم استخدام سياسة "الحدائق المفتوحة المُسيجة"، حيث ستحرص إدارات الإعلام الحربي على تنظيم الزيارات المقننة لمنسوبي وسائل الإعلام لبعض المواقع، بصحبة القوات.

وستوفر لهم مجالاً خصباً واسعاً لصنع القصص والتصوير والتسجيل ولقاء المصادر وكتابة التحليلات، لكن كل هذه الفرص ستكون تحت إشراف ومتابعة صارمين، بحيث يتم ضمان السيطرة على المحتوى الناتج عن مثل تلك الزيارات واللقاءات.

المبادرة

سيعتمد الإعلام المواكب للعمليات العسكرية والحروب على امتلاك زمام المبادرة في معظم الأخبار والقصص التي تخص العمليات الحربية أو المواكبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لها.

يعني هذا أن تكون أول من يعلن، وأول من يبادر بنشر الصور والفيديوهات بقدر الإمكان، حتى لو كان الأمر يتعلق بالخسائر البشرية أو المادية.

في حال كان العدو، أو أي من وسائل الإعلام الأخرى، هو المبادر بكشف معلومات أو وقائع، فإن السرعة في إطلاق الرواية الخاصة بالدولة والجيش الوطني، ستكون عاملاً مهماً وحيوياً، لتطويق آثار الإعلان الأولي.

إن التباطؤ والانتظار لحين تدبيج الرواية المضادة، سيعني سيادة المفهوم المبدئي، لذلك، فإن وجود وحدات مدربة على الرد السريع سيكون ضرورياً، ومن ضمن الآليات التي تساعد على تحقيق ذلك، وجود وحدات ذكية لإدارة الأزمات، وهي الوحدات التي تطور سيناريوهات للتعامل مع أحداث طارئة، بحيث تتفادى عنصر المفاجأة، وتكون قادرة على صياغة الرسائل المضادة في أسرع وقت.

الكتائب الإلكترونية

لأن العدو يمتلك "ميليشيات" إلكترونية، قادرة على بث الرسائل والصور والفيديوهات، وتأطير الرأي العام في اتجاه محدد، عبر الإلحاح والرسائل المصطنعة، فإن وجود "كتائب إلكترونية" داعمة، سيسهل استيعاب مخاطر تلك العمليات.

ستكون المعركة سهلة، إذا كانت تلك الكتائب تمتلك أدوات تقنية وفنية احترافية، وتتحلى بقدر كبير من الانتشار على وسائط التواصل الاجتماعي. وستكون المعركة أسهل إذا كان هؤلاء المتعاونون نشطاء عاديين، من الذين يؤمنون بضرورة الدفاع عن دولتهم وأمنهم القومي عبر تلك الوسائط، وليسوا أعضاء في "عصابة الخمسين سنتاً"؛ أي هؤلاء الذين يتقاضون أموالاً من أجل بث تغريدات وتعليقات على مواقع التواصل تخدم فريقاً وتنال من فريق آخر.

غسل الأخبار والقصص

ستطور الدولة المنخرطة في الصراع أذرعاً إعلامية غير تابعة مباشرة لها، في صورة وسائل إعلام، وفضائيات، ومواقع إلكترونية، ومدونات، بعضها يعمل داخل الدولة وبعضها الآخر يعمل خارجها.

وستكون مهمة تلك الوسائط نشر بعض القصص والأخبار، التي تخدم استراتيجية الدفاع، لكنها لن تكون منسوبة مباشرة للإعلام الحربي، وهو الأمر الذي سيزيد من صدقيتها، وسيعظم أثرها.

وبشكل عام، فإن براعة الإعلام والدعاية لن تكون كافية وحدها لحسم المعارك، لكنها ستكون، بكل تأكيد، عاملاً حيوياً مساعداً وضرورياً، لكسب المعركة، التي لن يحسمها سوى الانتصار على الأرض.

* كاتب مصري

 

back to top