معرفتي بالكاتب الكبير والفارس الشاعر بجمال الكلمة، زهير الدجيلي، تمتد إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما كنت أعمل مع فريق كبير من فناني العراق والكويت في مجال الدوبلاج بمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي.
وكان هو أحد مؤلفي أجزاء البرنامج التربوي "افتح يا سمسم"، وكثيرا ما كنا نلتقي وقت الاستراحة كمجموعة عراقية، ونتبادل الحديث حول هموم ووجع الإنسان العراقي بسبب دكتاتورية صدام وجبروته، وكيف كان ونظامه طاردا لكل الطاقات الفنية والأدبية طالما لم تعمل وفق أهوائه.وكنا كلما نلتقي يكون حوارنا القاسم المشترك بطبيعة الحال هو الوطن والأهل والأحبة والظروف الصعبة التي يعيشها العراق، خاصة بعد غزو صدام للكويت، حيث غضب "أبوعلي" واستشاط ألما وقهرا على ما فعله ذلك الدكتاتور بأهلنا وأحبتنا في الكويت.وبعد تحريرها، سارع إلى إنشاء موقع "الجيران"، ورابطة "الصداقة العراقية ـ الكويتية"، وكنت أحد أعضائها، حيث عملنا على رأب الصدع وما تركه الدكتاتور من آثار على الشخصية الكويتية تجاه العراق والشخصية العراقية تجاه الكويت، وبناء جسور من المحبة للأجيال القادمة بين البلدين لمحو كل تلك الآثار السيئة، حتى جاء اليوم الذي تم به تحرير العراق من ذلك السجان الظالم.وكان زهير "أبوعلي" كحال العراقيين، إذ رقص فرحا، وأخذ يحلم بالعودة والمشاركة في بناء هذا الوطن وإعماره، وكنا نلتقي في أروقة جريدة القبس، حيث كنا نعمل معا هناك، ويتحدث معي عن الوطن وكيفية إعادة بنائه وبناء الإنسان العراقي من جديد بعد ما أصابته جبال من الهموم، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، حيث ظهر "القاعدة" وظهر "داعش"، وظهرت الطائفية المقيتة التي أخذت تستشري بالوطن، وهناك من يغذيها بشكل أو بآخر.وعاد قلم "أبوعلي" يكتب من جديد ويخط ما كان يعانيه ويشعر به تجاه الوطن، وبقي قلمه شامخا كعادته في وجه الظلم والقهر، حتى دهمه المرض وأنهكه كثيرا، وبعد صراع طويل ودع أبوعلي أحبتبه وأصدقاءه وأغمض عينيه، مودعا الحياة وهو يحلم "بطيوره الطايرة"، إلا أنه ترجل عن صهوة جواده ورحل من دون أن يتحقق حلم الوطن.
توابل
الدجيلي رحل وترك «طيوره الطايرة»
05-03-2016