كما أن الروس قد ذهبوا بجيوشهم إلى سورية واحتلوها بحجة مواجهة "داعش" والتنظيمات الإرهابية ثم "عملوا السَّبْعة وذمتها"، كما يقول أحد الأمثال الشعبية في بلاد الشام، فإن المفترض أن تفعل السعودية وتركيا الشيء ذاته ولا يكترثوا بالمطالبات الأميركية لـ"أنقرة" بوقف قصف الأكراد وقوات النظام السوري، لأن الأميركيين بمواقفهم وسياساتهم المائعة هذه - إن لم نقل التآمرية - هم من أوصلوا الأمور في هذا البلد العربي إلى ما وصلت إليه، ومكنوا روسيا من أن تصبح الرقم الرئيس - بل الوحيد - في معادلة هذه الأزمة التي غدت متفجرة على هذا النحو الذي إن لم تكن هناك وقفة مضادة اعتراضية، فإن العدوى ستنتقل إلى دول عربية أخرى.

Ad

لماذا لم نسمع صوت جون كيري عندما كانت القاصفات الاستراتيجية الروسية تدك المدن والقرى السورية بالأسلحة المحرمة دولياً وبالقنابل العنقودية، ويقال أيضاً بالغازات السامة والقنابل الفراغية؟ ولماذا، وفي الوقت الذي تخلت فيه أميركا عن المعارضة السورية (المعتدلة)، وصل اقترابها من تنظيم قوات الحماية الكردية بقيادة صالح مسلم، المعروف بتبعيته للمخابرات السورية، باعتباره يشكل الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني – التركي (P.K.K)، حتى حدود التبني، وحتى حدود زيارة أحد مستشاري الرئيس باراك أوباما المنطقة التي يسيطر عليها هذا التنظيم في عين العرب والحسكة والقامشلي، وأيضاً حتى حدود تزويده بالأسلحة التي تزيد عن حاجته كثيراً؟

لم تقل الولايات المتحدة شيئاً عندما التحق تنظيم قوات الحماية الكردية بالهجوم البربري الذي شنته الجيوش الروسية الغازية على مدينة حلب (الشهباء) وضواحيها واحتل، أي هذا التنظيم، مطار "منّغ" العسكري، وحاول التقدم نحو شريط الحدود التركية – السورية، ثم لماذا لم تعترض أميركا حتى مجرد اعتراض عندما أصر الروس على إقحام صالح مسلم وتنظيمه على وفد المعارضة السورية (المعتدلة)؟ والسبب هنا واضح ومعروف وهو "تلْغيم" هذا الوفد من الداخل وإعطاء مصداقية لألاعيب وأكاذيب بشار الجعفري، الذي بمجرد وصوله إلى جنيف على رأس وفد نظام بشار الأسد أخذ يطلق سلسلة التصريحات التي قال فيها: "إنه لا يعرف مع أي معارضة يتفاوض"!

كان على أميركا أن تحافظ على الموقف (المتقدم) قياساً بمواقفها السابقة الذي اتخذته بعد الهجوم الروسي – الإيراني على حلب وضواحيها ولو لأسبوع واحد، وكان عليها ألا تحض أنقرة على وقف ما وصفته هجومها على قوات كل من صالح مسلم وقوات الأسد طالما أن هذا الهجوم الروسي – الإيراني – الكردي (المقصود هنا هو قوات الحماية الكردية) لايزال مستمراً وفي ذروته، ويستهدف حصار هذه المدينة السورية وإغلاق حدود سورية مع تركيا للاستفراد بالمعارضة (المعتدلة)، وبالتالي استبدالها بالمعارضة المدجنة والإبقاء على بشار الأسد رئيساً أوحد وإلى الأبد!

إن الأميركيين وعلى رأسهم باراك أوباما وجون كيري يعرفون أن المملكة العربية السعودية لم تتخذ هذه الخطوة الشجاعة التي اتخذتها إلا بعدما طفح الكيل، وثبت أن نظام الأسد و"داعش" وجهان لعملة واحدة، وثبت أيضاً أن سورية ذاهبة إلى التمزيق وتصبح فسيفساء دويلات مذهبية وطائفية قد تكون من بينها دويلة تنظيم "داعش" الإرهابية ودويلة تنظيم "النصرة"، وهنا فإن المسألة مسألة وقت، وأن التأخير لبضعة أيام سيعني مستجدات كثيرة، ولهذا فإن المفترض أن تسهل واشنطن المهمة التي جاءت من أجلها القوات السعودية، والتي من أجلها ستدخل إلى سورية ومعها قوات تركية، كما أعلنت أنقرة، وقوات أخرى من بينها قوات من الإمارات.

بعد هذا الهجوم الروسي – الإيراني على حلب وعلى كل الأراضي السورية، بما فيها مدن وقرى الجبهة الجنوبية، لم يعد هناك أي مجال للتأني والتلكؤ، وبخاصة وقد ثبت أنه لا ثقة بروسيا على الإطلاق، بعد أن ألزمت نفسها بتعهدات سابقة ما لبثت أن تخلت عنها كلها: "قبل أن يصيح الديك"، ولهذا فإن هذه الخطوة الشجاعة والحكيمة أيضاً التي أقدمت عليها السعودية قد جاءت في وقتها، وكذلك فإن مسارعة تركيا إلى تطبيق قواعد الاشتباك في الجبهتين السوريتين الشمالية الغربية، والشمالية الشرقية قد جاءت في وقتها أيضاً. فالأوضاع غدت في غاية الخطورة، وعندما يتجاوز الروس والإيرانيون كل الحدود ويلجأون إلى كل هذا التصعيد الخطير، فإنه لا يصبح هناك أي رد إلا هذا الرد.