بعد الاتفاق النووي... سقوط المقولات

نشر في 01-02-2016
آخر تحديث 01-02-2016 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري بعد اتفاق إيران مع المجموعة الدولية على تجميد مشروعها النووي المثير للجدل والقبول بالرقابة الدولية لـ15 عاماً، سقطت مقولات سياسية دعائية عديدة، اعتاد اللوبي الإيراني في المنطقة ترويجها باعتبارها مقدسات لا يجوز التشكيك فيها أو انتقادها، ومن أبرزها:

1- أن نظام ولاية الفقيه يجسد مشروع المقاومة والممانعة في المنطقة، والداعم الرئيس لسلاح المقاومة من أجل تحرير القدس واسترجاع فلسطين، بل أيضاً هو الولي والنصير للشعوب المستضعفة من أنظمتها الحاكمة المستبدة! ومن هذا المنطلق، صار حزب الله وصياً على لبنان، وسمح له بامتلاك سلاح لا يمتلكه الجيش الوطني، وتحول لبنان إلى موقع متقدم للحرس الثوري، وأصبح لا يمتلك اختيار رئيسه إلا أن يشاء الولي الفقيه، عاشت الجماهير دهراً، تقدس سلاح المقاومة وتتغنى بالانتصارات الإلهية وسط شلالات الدماء وأنقاض التدمير في غزة ولبنان، وتمجد حملة السلاح ولا ترضى المساس بهم أو نقدهم، وبذلت الغالي والنفيس في سبيل تمكينه، وأهدرت الثروات وضاعت أجيال وسقطت أنظمة وحكومات، لتكتشف هذه الجماهير أن الأوطان والمجتمعات هي الأثمان حين ضل هذا السلاح سبيله، وانقلب على مجتمعاته ودوله الوطنية: اغتيالاً وقتلاً وقمعاً وتدميراً وحصاراً تجويعيا لقرى سورية منكوبة، فمات أطفالها جوعاً!

لم أكن يوماً معجباً بحزب الله ولا أمينه الذي صدقه الكثيرون ورأوه "سيد المقاومة"، وقالوا فيه شعراً ونثراً، بل انتقدت انتصاراته المزعومة، وكنت موقناً منذ بداية تأسيسه 1982 على يد الحرس الثوري أنه مجرد ذراع سياسية وعسكرية إيرانية بتجميع لبناني!

2- إن إيران النووية، ستكون عامل توازن في المنطقة في مقابل النووي الإسرائيلي، وفي هذا السياق دافع كثيرون سواء من المثقفين العرب أو الرموز الدينية الإسلامية أو المحللين الغربين، عن مزايا تملك إيران للسلاح النووي، كعامل استقرار في المنطقة، وهناك من المحللين اليساريين الأميركيين من ذهب إلى أن إيران النووية هي الرهان الذي سيغير بنية الأنظمة الشمولية المحمية بثروتها النفطية! بل هناك من ذهب إلى أن التعاون مع إيران النووية يحقق الانتصارات على الإرهاب، ويوفر على واشنطن عشرات البلايين التي يتم إنفاقها على مكافحة الإرهاب، وكل هذه التحليلات والتبريرات قائمة على فرضية وهمية بإمكانية تأهيل هذا النظام العقائدي المغلق، وتجهل طبيعة هذا النظام الذي يؤمن بأنه يحمل تكليفاً إلهياً بنشر الرسالة والتمدد في الأرض وفرض النفوذ والهيمنة ونشر الفوضى وزعزعة الاستقرار، تعجيلاً بعودة الإمام الغائب الذي سيملأ الأرض عدلاً، وينتقم من الظالمين الذين اغتصبوا الخلافة ويثأر منهم!

3- إن من شأن الاتفاق النووي، تغيير السلوك الإقليمي لإيران في المنطقة: تأمل كيف كانت إدارة أوباما تدافع وتروج وتبرر قبل الاتفاق منذ 6 أشهر، من أن إيران عقلانية، براغماتية، غير متهورة، تعرف مصالحها، وأن الاتفاق يقوي جانب المعتدلين، ويطبع علاقة إيران بالمجتمع الدولي والجيران، وانظر ماذا يقول اليوم كبير مستشاريه، روبرت مالي، لا نتوقع تغيير سلوك إيران بعد النووي!

عجباً على ماذا إذاً كنتم تراهنون؟! لقد قلنا وقال العارفون بطبيعة هذا النظام، وكرروا وحذروا بأن إيران الطليقة من القيود والحصار والعقوبات ستكون أشد ضراوة في تدخلاتها في الشؤون الداخلية للمنطقة، وستزيد من دعمها لوكلائها وأذرعها ومخالبها لمزيد من إثارة الفتن والتخريب، وهذا هو الحاصل اليوم، فالخليج اليوم لا مشكلة له مع أحد إلا مع هذا الجار السيئ الذي لا يكف عن دسائسه ومؤامراته وتدخلاته!

وإذا لا أمل مطلقاً في فوز الإصلاحيين في الانتخابات المقبلة بعد شطب كل مرشحيهم، أتصور برلماناً عقائدياً ضارياً!

4- دهاء الدبلوماسية الإيرانية في المفاوضات الدولية: لطالما هلّل المفتونون بها، وشبهوها بصبر وبراعة صانع السجاد الإيراني، والحقيقة أنه تهليل أجوف، فأي دهاء في هدر المليارات وتجويع الشعب والحصار والعقوبات والعزلة وتضييع ٣٧ سنة من عمر الثورة؟! لقد تسلم الثوريون مقاليد الحكم في أغنى بلد حباه المولى تعالى بالنعم والخيرات والثروات، فماذا كانت النتيجة؟ بطالة تجاوزت كل المعدلات، وفسادا طال جميع المؤسسات وقمع شامل للحريات.

* كاتب قطري

back to top