تتميز أعمال النحات المصري أحمد عسقلاني بالبساطة التي تتصف بها بيئته في صعيد مصر، حيث كل شيء من الواقع المعاش.

Ad

وهو تفرّد باستخدام مواد ربما لم يسبقه إليها أحد في النحت مثل مادة «الخوص» التي قدم بها معرضاً كاملاً في إطار التحدي الذي يكمن في شخصيته، كذلك أبدع منحوتات لنماذج عدة مستوحاة من العادات والتقاليد والفولكلور المصري... «الجريدة» التقته على هامش معرضه «فرس النهر» المنعقد راهناً في غاليري مشربية في وسط القاهرة  لتبحر أكثر في عوالم تجربته النحتية.

تقدّم راهناً معرضاً بعنوان «فرس النهر»، ما الذي دفعك إلى نحت هذا الحيوان بشكل خاص؟

اخترت شخصية فرس النهر، ذلك الحيوان الإفريقي، لأن جميع الناس يحبونه خصوصاً الأطفال. يتساءلون عنه دائماً ويطلقون عليه «السيد قشطة». كذلك لدى هذا الكائن مدلول في التراث الفرعوني وحضور كبير في التاريخ المصري، إذ ارتبط بفكرة القدسية والخصوبة في منطقة وادي النيل. وفضلاً عن الابتسامة التي يرسمها على وجوهنا عندما نراه بلا إرادة، فأن تركيبته مغرية للنحت، وتكوينه النحتي لا يتطلب تفاصيل كثيرة. قدمه نحاتون كثيرون، ولكنني تعاملت معه بأسلوبي الخاص مركزاً على فكرة السعادة، فخلال تقديم أي عمل لا بد من أن أكون سعيداً به، خصوصاً أن البعض يشعر بالكآبة في الفترة الأخيرة.

لهذا السبب أنسنت «فرس النهر»؟

قررت أن أقدم منحوتات ترسم البسمة على الوجوه. أدخلت بعض الأشياء والمفردات إلى المنحوتة مع الحيوان نفسه، مفردات تتعلّق بالإنسان أو أنسنة الحيوان. طرحت فكرة التعامل مع الجوال والحاسوب المحمول الذي أصبح لصيقاً بالبشر، والتصوير السلفي الذي ينبهر به الناس. يحاكي اتكاء فرس النهر على عصا كرجل عجوز فكرة «سيد قشطة» الخمول والكسول، فلا ننسى أن الشعب المصري يعشق الفكاهة في عزّ الأزمات. ولكن في النهاية أشعر بأن في شخصية فرس النهر جزءاً كبيراً منا، فنحن نتحدث كثيراً فيما ننتج القليل.

تميل في كثير من معارضك إلى استخدام الأحجام المتنوعة. ما الذي يغريك في هذا الأسلوب؟

بدأت العمل على النموذج الصغير إلى أكبر نموذج، وقمت بتكبير أربع قطع لفرس النهر في معرضي الأخير. أرى أن هدف الفنون كافة إسعاد الناس والتغيير فيهم، وفي النهاية كلها محاولات.

عندما كنت أعمل على المعرض الأخير، وخلال صبّ القوالب إذا بالعمال وأطفال الشارع يجتمعون حولي ويسألون: هل يمكن لنا شراء قطعة؟ هل هذه الأعمال للبيع؟ هل يمكن لنا أن نساعد في العمل؟ كنت سعيداً بمثل هذا الموقف. بالتالي، لا بد من تقريب الفن التشكيلي من الناس، فالمعروف أنه يقتصر على المتخصصين، بينما إذا جربنا ربما نجد الجميع يتفاعل مع النحت كونه فناً ملموساً أكثر من اللوحة.

قدمت تماثيل لبشر بأجساد ضخمة ورؤوس صغيرة، هل ثمة رسالة خلف هذه النماذج؟

أتطرّق إلى أمور يشهدها مجتمعنا. نعم، قدمت أعمالاً لبشر بأجساد ضخمة ورؤوس صغيرة لإيصال رسالة تقول إننا لم نستخدم العقل الذي ميّزنا الله به. هي فكرة أعمل عليها منذ سنوات. نحن نستخدم القوة في أمور خاصة بالواسطة والنفوذ من دون إعمال العقل.

نلحظ أنك تتبع خطاً منفرداً في النحت يختلف عن كثير من أقرانك، لماذا؟

يسعى كل فنان إلى البحث عن أسلوب خاص به. أحاول أن أكسر فكرة النحت المتعارف عليها. لا أريد أن يكون الموضوع شيئاً روتينياً، بل أقدم إبداعاً جديداً. لا بد من أن ينطلق الفنان ويتحرّر من القيود. لا أسعى إلى استخدام النحت بشكل دائم من البرونز أو الخشب والمواد التقليدية، بل تعمدت في المعرض الأخير مثلاً استخدام مادة البوليستر، وثمة خامات جديدة يمكن تقديم منحوتات بها. أحبّ التمرد والمغامرة والتجريب، ولا بد من أن يتحلّى الفنان بالشجاعة والجرأة وإلا فلن يقدم جديداً أو يكتشف الحياة بشكل حقيقي.

خامات وتقليد

تستخدم خامات غير تقليدية مثل «الخوص». كيف يتسنى العمل بها؟

بالنسبة إلى «الخوص» تعيش مئات السنين ولكن بعيداً عن الشمس. تشكّل هذه الخامة حالة خاصة بي. كانت أول تجربة قدمتها بها عام 2000 بمهرجان «النطاق»، وكان يُقام بالتعاون بين بعض الجهات الخاصة ولكن لم يستمر. «الخوص» خامة مختلفة تجذب المتلقي ولأول مرة يشاهد الناس نحتاً من خلالها، بعدما قدمت معرضاً كاملاً بهذه الخامة. كذلك شاركت بصالون القاهرة بثلاث قطع من الخوص في فبراير الماضي، وأحاول التجديد في النماذج من خلالها.

قلّد بعض الفنانين أعمالاً لك أو أسلوبك في العمل، كيف ترى ذلك؟

سرقت مني أعمال كاملة تم تنفيذها قدمها البعض خارج مصر، ورفعت قضايا قانونية في هذا الشأن. ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود حماية لهذه الملكية الفكرية. الحيوانات مثلاً موجودة، فلماذا سرقة آلية التنفيذ؟ لم أخترع فرس النهر أو النماذج التي قدمتها، هذه الحيوانات ليست حكراً على أحد ولكن يتبقى أن يستخدم الفنان أسلوبه الخاص.

كيف ترصد الفرق بين معرضيك الأول والراهن؟

أقمت أول معرض في المعهد البريطاني في العجوزة عام 1998، ونال احتفاء شديداً وشكّل دفعة قوية لي كأول تجربة. تملّكني آنذاك خوف من كونه المعرض الأول وفيه يكمن تحديد المصير، هل أكمل في هذا الاتجاه أم لا؟ لكن بعد ذلك، وعندما نجح المعرض، حاولت التغلّب على الخوف والتمسك بالوصول إلى مستوى أعلى في كل معرض مقبل. وكوني غير متخصص في الفن التشكيلي (فنان تلقائي) ودرست في كلية الزراعة، منحني ذلك حرية العمل والانطلاق بعيداً عن التقيد بأطر وقوانين العملية الفنية والمتخصصين.

كيف تنظر إلى انتشار معارض النحت بصورة كبيرة أخيراً؟

النحت فن مختلف عن مجالات العمل الأخرى، من ثم يستقطب فنانين وجمهوراً كبيرين. حتى أن المرأة دخلت إلى هذا المجال بقوة في الفترة الأخيرة. ربما يكون السبب التحدي الذي يتطلبه هذا المجال ويتبعه خروج منتج جيد. بالنسبة إلي، أنظر إلى أعمال آخرين وأتمنى لو أنني منفذها. يشجع المنتج النهائي الفنانين على الأقبال على النحت. حتى أن كثيراً من المصورين والرسامين اتجهوا إلى العمل في هذا الفن، رغم أن القطعة منه تطلّب مكاناً في البيت عند الاقتناء، بينما اللوحة في نهاية الأمر تعلّق على الجدار.