لا تعرف السينما المصرية فن الإدارة وعلم التخطيط، وفي الأحوال كافة تعتمد على قانون المصادفة و{اللعب على المضمون»، لهذا السبب نظر كثر إلى خطوة طرح شركة «العدل غروب» في العام 2010 فيلم «ولد وبنت» في صالات العرض السينمائي في وقت متزامن مع «يوم الفالنتين»، بأنها خطوة غريبة، وغير متوقعة، في ظل عشوائية تضرب أركان الصناعة، وتضع بصمتها على كل عنصر فيها!
كان غريباً وملفتاً، أيضاً، أن تتذكر السينما المصرية اللون الرومانسي بعد فترة طويلة انصرفت فيها عن تقديمه، ووضعت كل تركيزها في أفلام المخدرات والعنف ثم البلطجة، من منطلق أن السينما مرآة الواقع، لكن الأمر المؤكد أن أحداً ما كان ينبغي عليه أن ينتظر عودة أفلام الرومانسية بالشكل والمضمون الذي كان عليه في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وبالتحديد في أفلام : {إني راحلة»، «بين الأطلال»، «حكاية حب»، «نهر الحب» و»يوم من عمري» أو تبعاً للنسق الذي قدم به النجم نور الشريف فيلمه الشهير «حبيبي دائماً» مطلع الثمانينيات، بدليل فشل فيلم «العاشقان»، الذي أنتجه نور الشريف مطلع الألفية الجديدة، وتخيل أنه سيحقق النجاح المدوي نفسه لفيلمه الأيقونة «حبيبي دائماً»، فجاءت النتيجة كارثية بعدما فرض الواقع الموحش والقاسي نفسه، ولم يعد للرومانسية مكان في عالم شعاره «اللهاث وراء المادة والوظيفة»، واتجهت شركات الإنتاج إلى تقديم ما يمكن أن نطلق عليه «الرومانسية الواقعية»، كما في أفلام: «السلم والثعبان»، «رحلة حب»، «مذكرات مراهقة»، «سهر الليالي»، «أبو علي» و{إذاعة حب» وما يمكن تسميته «الرومانسية المأساوية»، كما في فيلم «أنت عمري» (2005)، الذي يحكي قصة رجل أصيب بالسرطان فآثر الانسحاب من حياة زوجته وابنه، وفي المصح العلاجي يلتقي امرأة تعاني المرض نفسه، ويقع في حبها!اختلفت مقاييس الفيلم الرومانسي ومعاييره، واختفت الأفلام التي تعتمد على قصص كتّاب الأدب الرومانسي مثل يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ويوسف جوهر وغيرهما، نتيجة تخوف المنتجين من خوض غمار إنتاج الأفلام الرومانسية بالشكل التقليدي المتعارف عليه من قبل، ورسوخ يقين أن المزاج العام لم يعد مهيأ لاستقبال مثل هذه التجارب غير مضمونة النجاح، في حين أدرك مخرجون كبار مثل داوود عبد السيد ومحمد خان وعاطف الطيب من قبلهما أن مفهوم الرومانسية تغير، ولم يعد مقصوراً على علاقة حب بين شاب وفتاة ينبغي أن تتوج بالزواج، بل الكفاح المستميت من أجل أن ينتصر الحب في واقع مأزوم مُتخم بالممنوعات ومليء بالمحظورات، كما فعل المخرج عاطف الطيب في فيلمي «الحب فوق هضبة الهرم» و{إنذار بالطاعة» وداود عبد السيد في «رسائل البحر»، ولم يخرج عن هذا المفهوم محمد خان الذي قدم الرومانسية في «موعد على العشاء» بمفهوم خاص ورؤية ناضجة، ودائماً ما كان يفعل هذا بشكل مبكر للغاية.للكاتب الكولومبي الكبير غابرييل غارثيا ماركيز رواية صدرت طبعتها الأولى في العام 1985 تحت عنوان «الحب في زمن الكوليرا»، ومع تراجع العجلة الإنتاجية في السينما المصرية، وإحجام بعض شركات الإنتاج الضخمة عن الحضور على الساحة خشية المغامرة، طفت ظاهرة «السبكية»، ومعها عرفنا ما يمكن تسميته «الحب في زمن السبكي»، حيث الرومانسية على طريقة «عمر وسلمى» و{البيه رومانسي» و{أهواك»، والأفلام التي تُقدم الواقع بفجاجة، وبمعالجات تجارية لا مكان فيها لإبداع أو خيال، ومن ثم غاب الإحساس المرهف، الذي كان يميز أفلام بركات، عاطف سالم وعز الدين ذو الفقار، وتصدرت الساحة أسماء مخرجين مثل: إسماعيل فاروق، أكرم فريد، حسام الجوهري، أحمد البدري ومحمد سامي. لكن ثمة تفسير آخر لظاهرة اختفاء الرومانسية من أفلام السينما المصرية، يتمثل في تراجع «الكاريزما» التي كانت تتمتع بها الثنائيات الفنية لدى الجمهور، مثل : فاتن حمامة وعمر الشريف / عبد الحليم حافظ ولبنى عبد العزيز / نور الشريف وبوسي، والخشونة التي صارت سمة لأداء الكثير من الممثلين والممثلات، بما يصعب على الجمهور التجاوب معهم أو تصديق رومانسيتهم، كما حدث في تجربتي أحمد السقا في «تيمور وشفيقة» و{عن العشق والهوى»، في حين صدق الناس عادل إمام وسعاد حسني في فيلم «حب في الزنزانة»، وحجز الفيلم لنفسه مكانة متفردة في قائمة الأفلام الرومانسية التي قدمتها السينما العربية بما يؤكد، مجدداً، أن الزمن اختلف، وإيقاع الحياة اليومية أيضاً، ولا ينبغي لأحد أن ينتظر عودة الحب بالشكل الذي كان عليه في أفلام: أسمهان وليلى مراد، وبين سطور القصص الخالدة مثل: «غادة الكاميليا» و{مدام بوفاري» و{ذهب مع الريح»!
توابل
فجر يوم جديد : «الحب في زمن القبح»!
16-02-2016