كثر أولئك الذين نقابلهم وتتجلى الحماسة حاضرة بحضورهم وأفكارهم. أذكر تماما يوم زارني الصديق جمال اللهو في مكتبي بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، حاملا ملفا لفكرة مهرجان الكويت للمونودراما. يومها وعدته بالمساعدة، وأخذت منه وعدا أن يبقى بحماسته واندفاعه، وألا يموت المهرجان بعد الدورة الأولى.

Ad

مهرجان الكويت الدولي للمونودراما، افتتح دورته الثالثة مساء السبت 16 الجاري. وإذا كان اختيار الفنان المبدع والقدير سعد الفرج، قد شكل عنواناً بارزاً وجاذباً ودالا للمهرجان، فإن الدلالة الأهم هي أن المهرجان قد بدأ بتثبيت أقدامه على الساحة المحلية والخليجية والعربية، وأنه بدأ بمد جسور الوصل مع المونودراما الدولية.

إن المبادرة الشعبية في الفعل الثقافي على مستوى الكويت، تكاد تكون لازمة من لازمات المجتمع الكويتي، وهنا تكفي الإشارة إلى أن فكرة المدرسة كنظام تعليمي حديث، انطلقت من ديوان العلامة يوسف بن عيسى القناعي، وكان ميلاد "المدرسة المباركية" عام 1912، وكذلك "المدرسة الأحمدية" عام 1921، و"النادي الأدبي"، عام 1924. وتأسيس الفرق المسرحية وجمعيات النفع العام، التي تتطلب بالضرورة تقدم مجموعة أشخاص لوزارة الشؤون بطلب لإنشاء جمعية أو رابطة، وبما يؤكد أن المبادرة الشعبية هي جزء أساسي من بنية العمل الثقافي الكويتي.

الناظر للمشهد الثقافي والفني على الساحة الثقافية الكويتية اليوم، يرى بوضوح كيف أن المبادرات الشخصية حاضرة ولافتة، نذكر منها؛ الملتقيات الثقافية، ومجاميع القراءة في مشروع الجليس، ومشروع "تكوين" الذي تديره باقتدار الزميلة بثينة العيسى، وبعض أنشطة غاليريات الفن التشكيلي.

ومؤكد أن مهرجان الكويت الدولي للمونودراما، يشكل إحدى تلك المبادرات التي أثبتت نجاحها. واستطاعت خلال الدورتين اللتين اجتازتهما، وتنظيم الدورة الثالثة، أن تلفت الأنظار لوجودها، وتؤكد من جديد أن الجهد الشخصي المخلص والمنذور للعطاء، وبتلاقيه مع مجموعة من المؤمنين به، لابد أن يأتي بثمر طيب، ومؤكد أن هذا الثمر سيكون خيرا لسمعة الكويت محليا وعربيا ودوليا.

إن استقطاب مهرجان الكويت الدولي للمونودراما في دورته الحالية، عروضا عربية من قطر، والبحرين، والإمارات، وتونس، ومصر، والجزائر، وعُمان، إضافة إلى الكويت، وعروضا أجنبية من أرمينا، وفرنسا، وليتوانيا، وبولندا، إنما يدل دلالة واضحة على ثقة كبيرة استطاع المهرجان أن يحوزها، خاصة أن لجنة المشاهدة للمهرجان اختارت 12 عرضا مسرحيا من أصل 45 نصا عرض عليها، وبما يعني إقبال الكثير من المسارح العربية والدولية على المشاركة في المهرجان من جهة، وإصرار السادة أعضاء لجنة المشاهدة على اختيار العمل المونودرامي الأكثر إبداعاً.

إن الجهود الكريمة والمخلصة والمضنية التي يبذلها الزميل جمال اللهو، ومجموعة من زملائه المؤمنين بالعمل المسرحي الجاد، والعاشقين لإضاءة شمعة على صدر الكويت، ما كان لها أن تجد صداها وتتحقق على أرض الواقع لولا الدعم، وتحديدا الدعم المادي، الذي قدمه كل من وزارة الإعلام والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

لكل إنسان مساره على درب الحياة، لكن ما يفرق مسار شخص عن آخر، هو أن البعض يصر على اختيار مسار مختلف. مسار تأتي نتائجه وثماره الجميلة لمصلحة سمعة الوطن، ويشكل حضوره إضافة مهمة على أحداث الساحة الثقافية والفنية. مهرجان المونودراما، ومنذ انطلاقه في دورته الأولى، شكل دافعاً إيجابياً لمجموعة ليست بالقليلة من كتّاب المسرح والممثلين والمخرجين، داخل الكويت وخارجها، للمشاركة في أعماله، وهذا بحد ذاته يعد إنجازا يحسب للمهرجان.

لقد كانت لفتة تحسب للمهرجان تكريم الإنسان والفنان المبدع سعد الفرج، وإذا كان الفرج يستحق كل التكريمات فإن كلمته تؤكد إنسانيته، وذلك عبر قوله: "إذا كان سعد الفرج قد أبدع، فإن مرد ذلك لجميع من أحاط به وساعده ليكون كذلك".

كم هي بليغة ومضيئة هذه الكلمات.