لو كانت مشاكلنا بشراً من جسد وروح، لحسدتها مشاكل الأمم وغبطتها على الرفاهية التي تعيش فيها، ستقول المشكلة الإنكليزية لبنت عمها الكندية: "مالت علينا وعلى حالنا شوفي المشكلة الكويتية شلون عايشة متنغنغة ومدلعة وماخذة راحتها ع الآخر مو مثلنا يا حظي، كل ما قلنا آه لقينا ألف حل واقف فوق راسنا"! ولهمست مشكلة طفولية سنغافورية في أذن أمها المشكلة الكبرى: متى أكبر يا أماه وأشتغل بالكويت، وأجلب لك المصائب التي تحلمين بها؟ فتبتسم الأم وتدمع عيناها عندما تتذكر البؤس الذي تعيشه مع ابنتها في أزقة الحلول السنغافورية الناجعة، وحواري التنمية الناجحة.

Ad

وطبعاً يحق لمشاكلنا المرفهة أن تتفاخر على مشكلات ساكني مجرة درب التبانة بمشارقها ومغاربها، فهي تعيش معززة مكرمة ماكلة شاربة داخل محميات التسويف والتخبط والترقيع والهدر، محميات خمس نجوم تحمي سراب المشاكل من مقناص التنمية وصقورها، بينما تتعرض فيها أسراب الحلول الجدية للانقراض بفعل صيد علامات استفهامنا الجائر، علامات استفهام بلهاء عمياء صماء طرشاء، تترك طفيليات الحلول الترقيعية تعيش وتنمو لتخدم المشكلات، في حين تسدد سهامها نحو نحر أي حل ناجح يحاول أن يرفع رأسه للحظة ليتنفس هواء منطق نقيا.

أصدقكم القول بأنه صار عندي يقين أن فناء مشاكلنا لن يكون إلا بموتها من الضحك، هذا هو الأمل الأقرب والواقعي، فمشاكل تسمع كل يوم إفيهات مثل "موس لكل الرؤوس" و"أكبر شنب" و"مقاطعة السمك مؤامرة سياسية" و"ماي الحكومة وكهرباء الحكومة" و"مرتبة الكويت في التعليم 22 بين الدول العربية"، و"350 مليوناً تكلفة استجواب وزير"، وغيرها قطعا لن يتحمل قلبها كل هذا الكم من الكوميديا السوداء، وستطب ساكتة إن طال الزنان أو قصر بجلطة بالشريان المنطقي، وبالتأكيد لن نرسلها للعلاج بالخارج كالعادة لأن العالم الخارجي عندما يرى جسد مشاكلنا الضئيل المرفه وروحها التافهة ويعلم أنها أرّقت عباقرتنا التنمويين سنواتٍ طوالاً، فسيموت عندها من الضحك وسيكتب التاريخ بعد قرون أن انقراض الجنس البشري كان بفعل "كارثة القهقهة" على مشاكلنا، ونيازك "عيد يخرب بيتك عيد"!